لم يكن علم الوراثة حديثاً عند العرب، بل عُرف عندهم منذ القدم، واشتهروا بمهارات (القيافة والأثر)؛ والذي يعني تحديد آباء الأطفال من خلال تشابه قدمي الطفل بقدمي الأب، كما عرفوا تأثير الوراثة وانتقال الصفات الوراثية، فكانوا يختارون النسب على أساس خلو عرق الزوج أو الزوجة من الأمراض، فتعلقوا بمقولة: [ عليك بخال الخال ]. أما الآن مع التقدم المعرفي المتعاظم والمتنامي، وتطور التقنيات التي جعلت العالم قرية صغيرة يتم فيها تبادل الخبرات، مما زاد من إمكانية اكتشاف طرائق الوقاية من الإعاقات، وقد ساعد علم هندسة الجينات على الكشف عن الظواهر العلمية والطبية، فتوفرت طرائق عديدة للتشخيص، ومعرفة أمراض الخلل الجيني، والإعاقات الوراثية؛ ليصبح الخيار متاحًا أمام الأسرة في اتخاذ القرار المناسب لهم. إن الوقاية من الإعاقات تبدأ من الأسرة، وتنتهي بالمجتمع. ولا يخفى على أحد أنَّ في مجتمعاتنا العربية ترابطًا أسريًّا قويًّا، ووشائج قربى، وعلاقات اجتماعية نشأ معها كثرة زواج الأقارب، مما جعل ضرر الفرد ينعكس على من حوله، وبالمفهوم الأشمل على مجتمعه، وأمته. من هنا بدأت تجربتي في إجراء بحثي لنيل درجة الماجستير في كيفية تجنب مثل هذه الأمراض والوقاية منها. فالواقع أنَّ هناك طرائق وخدمات عديدة مقدمة للحد من هذه المعضلة الصحية، والاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية التي ينوء بها كاهل الفرد، والأسرة، والمجتمع؛ هذه الخدمات هي: ( الإرشاد الوراثي)، وهو نوع من العمل الاجتماعي - يكون طبيًّا في الغالب - الذي يساعد الأسر على تحديد مدى الضعف، أو القصور، أو احتمالية نقل المرض وتطوره في ذريتهم، وأيضًا توعيتهم بالطرائق التي يمكن اتباعها لتحسين احتمالات عدم انتقال هذه الأمراض في الجيل القادم بإذن الله. عندما أتحدث عن الوقاية من الإعاقة يتوارد إلى ذهني عملية الإرشاد الوراثي؛ والتى تعد منظورًا للصحة العامة في منتصف القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، وقد تم الاعتقاد بأن الوراثة ليست سببًا للأمراض الوراثية فحسب، بل سببًا" رئيسًا" للإعاقات العقلية، والجسدية، والسمعية؛ لذلك لابد من الكشف المبكر، في مرحلة ماقبل تكوين الأسرة، أو عند اكتشاف الإعاقة، أو بعد وقوع الإعاقة. سيدتي الأم... لن أغفل عن الوجه الآخر للحياة، وصورة الألم الإنساني لديك عند إنجابك طفلًا من ذوي الاحتياجات الخاصة. وأعرف أيضًا أنه لن يجدي قولي لك: تأملي آلام الآخرين؛ لأنني أعرف أن كل إنسان - غالبًا - ما يرى آلامه الشخصية.. أكبر الآلام. هروبًا من (الألم)، وسعيًا وراء (الأمل). سأقول لكِ لاتسرفي في رعاية طفلكِ ذي الاحتياج الخاص، وحافظي على برامج الفحص الوقائية؛ للحد من الإعاقات، والتدخل العلاجي المبكر، والاستشارة الوراثية، للحصول على حمل سعيد، وولادة آمنة، وتربية سليمة، وأسرة سعيدة، يعرف كل فرد فيها دوره.