د. حسان الحقباني لعل أبرز ما يميز عالمنا المعاصر هو توفر وسائل التواصل الاجتماعي تدار بالتقنية، سهلة الاستخدام، وتحتضن لكافة الثقافات والفئات العمرية ومتوفرة لجميع شرائح المجتمع، وتستطيع من خلال هذه الوسائل استطلاع الأخبار لحظة بلحظة في كافة مجالات الحياة ومن مصادر إخبارية موثوقة أو مصادر مراسلين أقل ثقة إلى أن تصلك أخبار منتفية الثقة والعلمية في النقل وتكون عبارة عن مجموعة آراء تكونت في صورة خبر ثم النشر بدون مراجعة وتدقيق، وللأسف الشديد أن الرائج في وسائل التواصل الاجتماعي هو النوع الأخير من هذه المصادر الإخبارية رغم عدم علميتها ودقتها وأنها مجموعة آراء مصنوعة لتدلج مجموعة من المندفعين خلف كل ما هو سلبي ومغلف بكلمة (فضيحة، فساد،........) ثم تدحرج كرة الثلج بهاشتاق أو بخبر ثم حفلة ريتويت بعده، وتبدأ فصول مسرحية الفضيحة المصطنعة، ويبدأ الممثلون (وما أكثرهم يا للأسف) في هذا المسرح إما بجلد الذات لمجتمعهم أو بزيادة الخبر ليكون أكبر وأكبر بإضافات وتفاصيل مصطنعة وبدون سند!! لا تشاهد الكثير من الممثلين وصناع كور الثلج في الأخبار والمواقف الإيجابية للمجتمع بل تجدهم يتوارون ويختفون - لماذا؟ -، وتجدهم يظهرون فجأة وينشطون ويعتاشون على السلبية والفضيحة لكل أمر يحدث في المجتمع ويهدفون لتكبير كل ما هو صغير وينسفون كل المكتسبات والإنجازات لمجرد خطأ فردي صغير، حتى تكاد تشعر أن أدوات المقاييس العالمية والتقييم اختلفت في عالمنا المعاصر، فأصبحنا نعيش في عالم ملائكي إن أخطأ أحد الأفراد فُتهدم كل البنية المحيطة به فيطال السب والشتم لشخصه ولعائلته ولجهة عمله ثم مؤسسات المجتمع كاملة وإلى أن تصل إلى التنظيم الإداري للمجتمع بأكمله! عجباً أليس الخطأ من طبع البشر؟ ألم يخطأ رُسل وأنبياء؟ ألا يفترض أن نحاسب المخطئ فقط ولا نشتم مجتمعه؟ ( ولا تزر وازرة وزر أخرى) .. ذلك الأسلوب الفضائحي الذي يدار بكرة الثلج التي تجتذب المندفعين لا يليق بمجتمع محافظ لا يرضى بهتك العرض والذم والقدح، وحتى حدوده الشرعية لا تثبت إلا بأدلة قطعية توجب العقوبة بل وأوجبت الشريعة إقامة الحد على من ألقى التهم جزافاً وبدون دليل قطعي . تزداد غيرتي على مجتمعي عندما أرى عدداً كبيراً يمثلون في ذلك المسرح الفضائحي ويركبون كرة الثلج المتدحرجة ومن مختلف الأعمار والأطياف.. ولكن بعد أن صرحت العام الماضي وزارة الداخلية بأن نصف مليون حساب في تويتر هي حسابات وهمية مشبوهة.. أدركت بعدها خيوط اللعبة فهناك مسرح كبير به جمهور غفير متنوعون وهناك أياد صنّاع لكرة الثلج الفضائحية يجلسون خلف الكواليس ويصطادون في الماء العكر ومهمتهم الأساسية تكبير الأحداث والأخطاء الفردية ونسف المنجزات والمكتسبات وربط الأمور ببعضها البعض والتشويش على المجتمع وجعله يعيش في حالة من التيه والسلبية والانهزامية والضعف والهوان ونزع الهوية الوطنية والمواطنة الإيجابية وقتل الطموح لدى أفراد المجتمع بإلباسهم نظارات سوداء لكي لا يروا بها جمال مجتمعهم. الجبهة الداخلية لكل مجتمع هي الحامي بعد الله لكل المجتمعات، وتزداد قوة المجتمع بمقدار قوة تكاتف وتعاضد أفراده وعلى مقدار درجة وعيهم وإدراكهم للمخاطر المهددة لمجتمعهم.. ورسالتي لمن يندفع خلف كل فضيحة مصطنعة: لا تجعل من نفسك مطيّة يركبها صنّاع مشبوهين يريدون هدم مكتسبات بلدك وضياع قيّمه الاجتماعية المستوحاة من الشريعة الإسلامية من قيم الأمانة والنزاهة وتحري الدقة قبل أن تكتب حرفاً واحداً.. وكن على يقين بأن مجتمعك مكوناته بشر مهيئون للوقوع في الخطأ وليسوا ملائكة منزهّين، وفي كل المجتمعات عبر كل الحقب الزمانية هناك هامش للخطأ البشري، وتقُيّم المجتمعات بفسادها وصلاحها بمقدار ارتفاع نسبة ذلك الهامش من الأخطاء البشرية مقارنة بعدد السكان وبمقدار ردة الفعل الأمنية لمعالجة ذلك الخطأ.. لقد رزقنا الله العقل وأمرنا في آيات كثيرة بإشغال العقل بالتفكير والتدبر وعمارة الأرض، وذكر لنا الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. فلا تؤجر عقلك وتركب كل موجة سلبية ولا تكن ضعيفاً منقاداً يقودك أحدهم ويستثير عاطفتك لتحقيق أهداف لا تعلمها. عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا رأيت الرجل يقول هلك الناس ، فهو أهلكهم .