عام 1971م وصلت إلى الرياض، قادماً من المدينةالمنورة، حيث ولدت ونشأت وتعلمت، وكنت آنذاك في التاسعة عشرة أو العشرين من العمر. في اليوم التالي لوصولي الرياض، كنت أصعد بتردد وخجل، السلالم الخشبية أو الحديدية، المؤدية إلى مكاتب جريدة "الرياض" ومجلة اليمامة والدعوة. ولم أكن أعرف أحداً في ذلك المكان، الذي يئز تحت الأرجل السائرة والصاعدة والهابطة. من ذلك المكان بدأت رحلتي مع الصحافة، بمعناها الشامل، حيث مارست كتابة التقارير والأخبار والتحقيقات وأجريت المقابلات، لحساب مجلة اليمامة، التي كان يرأس تحريرها محمد الشدي. وكنت قبل ذلك بعام أو عامين، قد بدأت كتابة ونشر القصة القصيرة، عبر ملحق دنيا الأدب بجريدة المدينة، الذي كان يحرره بنجاح كبير سباعي عثمان -رحمه الله-، والذي أعتبره الراعي والموجه الأول لجيل كتاب القصة القصيرة في المملكة آنذاك. كان في مجلة اليمامة آنذاك فريق يقوده محمد الشدي، يتكون من علوي الصافي، عبدالرحيم نصار، عبدالله السليمان، إسماعيل كتكت، علي العفيصان، علي إبراهيم، عيد السرياني، أما جريدة "الرياض" فقد كانت تضم، أحمد الهوشان، محمد العجيان، تركي السديري، صالح الصويان، سعد الحميدين، عبدالله الماجد، علي الخرجي، عثمان العمير، راشد فهد الراشد، وآخرين. هؤلاء الزملاء، يطلق عليهم "راشد فهد الراشد" -رحمه الله-، مسمى "جماعة المرقب!" نسبة للحي الشعبي المترب، الذي يتوسط شرق المدينة، وغير بعيد عن مقر المؤسسة، في عمارة المطلق بالبطحاء، حيث من هناك تدار الجريدة والمجلة، وتصدر مطبوعة متواضعة باللغة الإنجليزية، اسمها "رياض ديلي" يحررها عبدالعزيز الذكير. وكان اسم المطبعة التي تصدر عنها الجريدة والمجلة مطابع المرقب، نسبة للحي أيضاً، وهي مطبعة بدائية، بمقاييس هذه الأيام، لكنها كانت مؤدية للغرض، ويكفي أنها كانت تتولى إصدار ثلاث مطبوعات، إضافة إلى المطبوعات الأخرى، مثل الكتب والفواتير. هذه المطبعة كادت تتسبب في احتجاب جريدة "الرياض"، لتراكم الديون المستحقة عليها، لولا مبادرة محمد بن صالح بن سلطان، عضو المؤسسة -رحمه الله-، بتسديد ما على الجريدة من مستحقات مالية! هؤلاء الزملاء، الذين ذكرت أسماء بعضهم، كانوا يعملون من بعد المغرب، وحتى ما بعد منتصف الليل، بهمة ونشاط، بنظام خارج الدوام، فأغلبهم من موظفي الدولة، كانوا النواة لبناء صرح كبير اسمه "مؤسسة اليمامة الصحفية". عملوا جميعاً تحت شعار واحد: الصحافة للصحافة! فقد كان المال شحيحاً، والوسائل بسيطة، والوعي بأهمية الصحافة والإعلان والتسويق شبه معدوم. حينما أنظر الآن، وقد بلغت من الكبر عتيا، إلى ذلك اليوم، الذي قادتني فيه خطاي إلى المرقب، لم أتمن سوى شيء واحد، أن تعود تلك الروح، روح الفريق الواحد، الذي يقوده الشغف للعمل، بغض النظر عن المردود المادي. لكنني لا أجده، لأنه أصبح خاضعاً لمقاييس وموازنات عديدة، ساهمت في كبح ولجم المواهب وأصحاب القدرات! ليس في الصحافة فقط، ولكن في كافة القطاعات التجارية والصناعية والاستثمارية. وأختم بما بدأت به فأقول: إن جماعة المرقب ساهمت بعد ذلك في قيادة مطبوعات المؤسسة بعد أن قيض الله للمؤسسة رجالا كبارا قادوا النقلة الجديدة للمؤسسة ما انعكس على زيادة مطردة في الدخل وتطور في الطباعة والعمالة الفنية والمحررين وقد قاد هذه النقلة تركي السديري رئيس التحرير وفهد العريفي المدير العام للمؤسسة -رحمه الله-، بعد هذه النقلة بعام أو عامين غادرت هذا الصرح وها أنا أعود إلى مسقط القلم، لأبحث عن أحد من هذه الجماعة المباركة، فلا أجد إلا أقل القليل، فقد أصبح من كانوا في رحم الغيب، يشكلون نبتاً جديداً في هذا البلاط، أعانهم الله وأعانني، على التذكر للرصد والمقارنة، الرحمة على الراحلين والصحة والعافية لمن لم أعد أرى أغلبهم أو أقرأ لهم. بارك الله في من أعادني بعد غياب طويل إلى بيتي القديم الجديد.. إلى اللقاء!