في خضم التوقعات السائدة عمن يقف وراء حادثة التسمم بمادة الديوكسين الغامضة التي تعرض لها مرشح المعارضة في انتخابات الرئاسة الأوكرانية فيكتور يوشينكو فإن استخدام سم الديوكسين كأداة سياسية شريرة لتولي منصب الرئاسة قد ولج مرة أخرى الحياة العامة في الجمهورية السوفييتية السابقة والتي يجادل بعض ضباط أجهزة الأمن الروسية السابقين ان هذه الوسيلة الغادرة لم تنته أصلاً في البلاد. وفي مناسبات عديدة خلال العقد الماضي تعرضت الأجهزة الاستخباراتية والأمنية التي ورثت جهاز الاستخبارات السوفييتي السابق «كي. جي. بي» في روسيا وفي دول أخرى إلى الاشتباه بقيامها بإعطاء معارضين مرموقين عقاقير مخدرة أو مواد سامة.. وفي الوقت الذي تنفي فيه السلطات المعنية مراراً مثل هذه الأفعال فإن مسؤولي استخبارات سابقين يقولون انهم وجدوا أن الكثير من هذه الاتهامات حقيقية. وقال الكسندر ليتفيننكو والذي عمل في جهاز الاستخبارات السوفييتي السابق وفي الجهاز الاستخباراتي الذي أعقبه «وعمل أيضاً مع المباحث خلال الفترة ما بين عامي 1988 و1999 ويعيش الآن في لندن.. كانت وجهة نظرنا داخل جهازنا للاستخبارات تعتبر السم مجرد سلاح وانه لم يكن يتم النظر إليه بالطريقة التي ينظر إليه في الغرب وإنما كان في نظرنا أداة عادية».وقال ليتفيننكو ان معمل الكي. جي. بي السري في موسكو لا يزال يدار من قبل المباحث الاتحادية والذي يعرف اختصاراً بالروسية بحروف اف. اس. بي. وانه متخصص في دراسة السموم. وقال جنرال الاستخبارات السوفييتية السابق اوليغ كالوغين والذي يعيش الآن خارج واشنطن في تحليله لقضية زعيم المعارضة الأوكرانية فيكتور يوشينكو ان ما حدث معه يبدو بأنها محاولة بكل تأكيد لإزاحته من المسرح السياسي. ويتحدث كالوغين من تجربة مباشرة غير عادية ففي عام 1978م قام بنقل أوامر لعملاء مخابرات سوفيت بتزويد جهاز الاستخبارات البلغاري بمظلة مزودة بنابض استخدمت في وقت لاحق في نقل سم الريسين والذي أودى بحياة المنشق البلغاري جورجي ماركوف في لندن.وأوضح كل من ليتفيننكو وكالوغين بأنهما يعتقدان بأن يوشينكو قد تعرض لعملية تسميم تورط فيها جهاز المخابرات الأوكراني والذي كان على علاقات وثيقة مع معمل اف. اس. بي لدراسة السموم بل وانهما يرتابان أيضاً في احتمال تورط المخابرات الروسية في هذا الأمر.وكان يوشينكو قد شعر بالاعياء بعد مأدبة في الخامس من سبتمبر الماضي مع رئيس المخابرات الأوكرانية الجنرال ايهور اسميشكو. ونفت السلطات الروسية والأكرانية بشدة تورطها في ذلك الأمر، وصرح المتحدث باسم السفارة الروسية في واشنطن يفغيني خوريشكو بأنه لا يوجد دليل يدعم مثل هذه المزاعم. وضمن جهودهما لتعزيز مزاعمها أشار ليتفيننكو وكالغين إلى قضايا مماثلة أخرى في السنوات الأخيرة الماضية حامت فيها الشبهات حول السلطات الروسية بتسميم أشخاص معارضين وأوضحا ان من ضمن تلك القضايا موت المصرفي الروسي ايفان كيفيليدي وسكرتيره في عام 1995م بعد استخدامه لهاتف كان مسمماً كما كان واضحاً وكذلك موت المقاتل الأجنبي خطاب والذي كان يقاتل مع المقاتلين الشيشان بعد فتحه لرسالة مسممة وكذلك اختفاء رئيس البرلمان الروسي السابق ايفان ربيكين والذي اختفى لعدة أيام في فبراير خلال منافسته للرئيس فلاديمير بوتين واتهامه في وقت لاحق معمل اف. اس. بي بتخديره. وفي حادثة أخرى حظيت باهتمام واسع النطاق من وسائل الإعلام في روسيا وبريطانيا في الأول من سبتمبر عندما فقدت الصحفية الروسية المرموقة في صحيفة نوفايا غازيتا انا بوليتكوفسكايا الوعي إثر تناولها كأس شاي خلال رحلتها الجوية إلى مدينة بيسلان في القوقاز عندما كان متشددون مسلحون يسيطرون على مدرسة أطفال وقالت الصحفية في وقت لاحق بعد استعادتها الوعي في المستشفى بأنها تعتقد أن عميلاً لمعمل اف. اس. بي.. الاستخباراتي كان معها في الطائرة وأنه عمد إلى تسميم الشاي وقالت انا في تقرير لها بصحيفة الغارديان ان ممرضة بالمستشفي همست لها بأنها تعرضت لعملية دس سم لها.وهنالك العديد من قضايا التسميم المماثلة في كافة أرجاء العالم خلال العقود والسنوات الماضية ومنها محاولة عملاء المخابرات الإسرائيلية تسميم زعيم حماس خالد مشعل في الأردن بحقنه بسم زعاف إلا أن المخابرات الإسرائيلية وتحت ضغوط شديدة سلمت السلطات الأردنية ترياق ذلك السم الذي لا يعرف سره أحد غيرها. وفي حقبة الخمسينيات والستينيات عمل برنامج سري للجيش الأمريكي مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على إعداد سموم تقتل بدون ترك آثار لها وفشلت خطط لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية في تسميم رئيس وزراء الكونغو الأسبق باتريس لوممبا والرئيس الكوبي فيدل كاسترو. ٭(خدمة نيويورك تايمز خاص ب «الرياض»)