أرحم خفوقٍ بين الاضلاع له نوح عقبك يعلم ساجع الورق نوحي كأنَّ فُؤادِي في مَخالِبِ طَائِرٍ إذا ذُكِرَتْ ليلى يشدُّ به قبضا البلاغة هي روح الشعر والأدب لدى كل الأمم، لكن العرب أولوها اهتماماً أكبر بكثير، إلى الحدّ الذي جعلهم يحكمون على الإنسان بمنطقه وبيانه، يقول المثل العربي: (تكلّم حتى أراك..) ويقول زهير بن أبي سلمى: لِسَانُ الفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فُؤَادُهُ فَلَمْ يَبْقَ إَلا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالدَّمِ فقدّم اللسان على الشجاعة والسنان! والبيان هو البلاغة، ولكن علماء البلاغة رأوا أن يقسموها إلى (المعاني، والبيان، والبديع) وقد يكون هذا التقسيم مفيداً من الناحية الدراسية، أما من حيث التذوق فإن البلاغة صورة واحدة من الجمال الذي يسر الذوق السليم ويمتع القاريء والسامع ويحقق اللذة الجماعية.. ومما يؤسف له أن علماء البلاغة أكثروا من القواعد وأقلوا الشواهد، فكأنهم قَيّدُوا الخيول الأصيلة ومنعوها من الانطلاق، وجعلوا الطلاب يعيشون في سجن القواعد محرومين من الهواء الطلق والمناظر الخلّابة، وكأنهم جعلوهم (يعيشون مع الخادمات ويُحجبون عن ملكات الجمال) فما القواعد إلا خادمات صغيرات لروائع الإبداع من شعر ونثر ومن مختلف الفنون التي لكل منها طابعها البلاغي الخاص المتناسب مع طبيعتها.. ولا عجب أن يفعل علماء البلاغة مافعلوا، فإن أول من قعدّ للبلاغة هو (السكّاكي) وهو أعجمي يعتمد على علم المنطق قبل اعتماده على الذوق السليم والآن هذه بعض القصائد والأبيات التي لا تخفي بلاغتها في فطنة القارىء: خذني معك لاصير جسمٍ بلا روح حيث أنها تقفي إذا اقفيت روحي أرحم خفوقٍ بين الاضلاع له نوح عقبك يعلم ساجع الورق نوحي ليلي يطول أن غبت من غير مصلوح أن جاء النهار أطول وعيا يروحي سرّي بحبك دايم الدوم مفضوح وإن ما نطقت دموع عيني تبوحي باب المحبه لك مدى الدهر مفتوح وعن حب غيرك فيه تسعين لوحي عبدالله الفيصل والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت إلا و حبّك مقرون بأنفاسي ولا خلوتُ إلى قوم أحدّثهم إلا و أنت حديثي بين جلاسي ولا ذكرتك محزوناً و لا فَرِحا إلا وأنت بقلبي بين وسواسي ولا هممت بشرب الماء من عطش إلا رَأَيْتُ خيالاً منك في الكأس ولو قدرتُ على الإتيان جئتُكم سعياً على الوجه أو مشياً على الرأس الحلاج بُدِّلتُ من ليلٍ كظِلِّ حصاةٍ لَيْلاً كَظلِّ الرُمح غيرَ مُوَاتِ ابن المعتز فَسَقى دِيَارَكَ -غَيْرَ مُفْسِدِها- صَوْبُ الرَّبِيعِ وَدِيمَةٌ تَهْمِي طرفه بن العبد ماقل دل وزبدة الهرج نيشان والهرج يكفي صامله عن كثيره راكان بن حثلين كأنَّ فُؤادِي في مَخالِبِ طَائِرٍ إذا ذكرت ليلى يشد به قبضا كأن فجاج الأرض حلقة خاتم عليَّ فما تَزْدَادُ طُولاً ولاَ عَرْضَا وأُغْشَى فَيُحمى لي مِنَ الأرْضِ مَضْجَعِي وَأصْرَعُ أحْيَاناً فَألْتَزمُ الأرْضَا إذا ذُكِرَتْ لَيْلَى أهِيمُ بِذِكْرِهَا وكانت منى نفسي وكنت لها أرضى وأن رمت صبراً أو سلواً بغيرها رأيت جميع الناس من دونها بعضا قيس بن الملوح