"العالم قرية" عبارة ترددت كثيرا في منابر العلم والقرار والشارع، يستخدمها السياسي عندما يجبر على التنازل عن موقف باسم البرغماتية والانتهازية والخضوع، ويبرهن بها رجل الدين تبدل فتواه من التشدد الصلب إلى القناعات الرخوة، ورجل الشارع يستخدمها لمشاغبة الاثنين، العالم تغير نحو اتجاهات لا تفيد الكيانات التاريخية التي لا تقبل التغير، وتفضل عليه الاختيارات المؤجلة للتغير، تريد أن تواكب عصر القرية الكونية، وفقا لاعتباراتها الخاصة في الاقتصاد والسياسة والمجتمع، تتقدم نحو التأخير بإرادة مرتبكة وكأنها تريد أن تتصالح مع التغيير بدون أن تتغير، كحال دول الربيع العربي، رفضت التغيير وعصاها وعندما أرادت أن تتصالح معه قابلها بالرفض. العرب مدرسة للعبر والدروس، مرت بتجارب موجهة ومعلمة ولكنها خسرت التجربة وخسرت الدرس، انهزمت في 67 بسبب حكومات عسكرية، ونهجت بعدها إلى عسكرة التعليم والفن والدين، حتى غدت الهزيمة ثقافة ونهجا وقدرا محتوما، بعد الربيع العربي الذي نعيش أثناءه الآن، لا يريد أن يعترف بعض العرب أن قريتهم القومية في الخليج، حتى أخذ بعضهم التمرد إلى الاستعانة بالقومية الفارسية كهروب من حالة الاعتراف بتأثير الخليج على الهوية العربية حاضرا ومستقبلا. زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى بعض الدول الآسيوية هي في معناها الإستراتيجي محاولات جادة لبحث أحوال التغير في العالم وإمكانية استفادة العرب من ذلك إن رغبوا، ملك هذه البلاد حظي باستفتاء مؤيد لسياسته ليس من حكومات الدول المستضيفة، بل حتى من شعوبها، وهذا أمر يعزز المكانة واختيار لحظات التغيير، ملك يريد أن يتجاوز بالعرب واقعهم المأساوي إلى واقع التغير الأفضل نحو المستقبل، فهل بشار الأسد خيار أفضل لشعبه أو للعرب إن أرادوا التغير وتجاوز أزماتهم، أم المخلوع والحوثي هم إنجاز حضاري مطلوب! أم إبعادهم هو الإنجاز الحقيقي الذي يجنب المنطقة حالة الركود المتفجر، قرية العرب القومية في الخليج من رفض دخولها سوف يتجاوزه الإنجاز والاستقرار، فالخليج يملك مفتاح القرية ومفتاح التغيير اقتصاديا وسياسيا وأمنيا، والخليج أعطى المفتاح لسلمان بن عبدالعزيز: "كلمة الشيخ محمد بن راشد بن مكتوم" فالزعامة الحقيقية اختيار واستحقاق وليست غدرا ومكائد رخيصة، فعرب ترضى بزعامة حزب الله على الرغم من فارسيته المعلنة لا يحتاجهم الوطن العربي في هذه اللحظات الحاسمة نحو التغير من حال الفوضى إلى حال الاستقرار.