أمام البوابة الشمالية للبلدة القديمة في شقراء هناك بقايا خندق, أبقاه المطورون كذكرى لبسالة البلدة ومقاومتها الغزو العثماني لها عام 1818, حيث تشير إحدى الوثائق العثمانية المحفوظة بدارة الملك عبدالعزيز بأن الجيش العثماني بعد حصار المدينة, ظل لمدة 24 ساعة متصلة يقذفها بالمدافع والمقذوفات. وتشير المراجع العثمانية إلى إن الغزاة العثمانيين استباحوا الكثير من مدن الوشم, وفتكوا بأهلها, وكانوا يقطعون آذان المقاومين لهم ويرسلونها للآستانة, إشارة إلى انتصارهم عليهم واستهانتهم بمن تسميهم تلك المراجع (البدو)!! هذا قبل أن تعلق المشانق لهم وتقص الرؤوس بساحات الآستانة. كتب التاريخ التي كانت تدرس لنا أخبرتنا بأن الحكم التركي للعالم الإسلامي امتد من من عام 1299-1923 , ولكنها لم تخبرنا هل رافق ذلك مشروع نهضوي أو حضاري خلال 600عام من الاحتلال العثماني لجزيرة العرب بالتحديد, عدا مرور جباة الضرائب على المدن المقدسة في الحجاز, توسلا للشرعية الدينية ؟ وعداها ظلت المنطقة مغفلة غائبة مغيبة عن التنمية والحضارة, يتعاقبها المجاعات والأوبئة ( سنةالجدري/ سنة الساحوق / سنة الجوع / سنة الدباء/ سنة الشهاقة / سنة الحصبة .......) الباب العالي ماذا فعل لذلك, هل أرسل حملة طبية للمتابعة, أو حتى طبيبا واحدا يطل على المنطقة بشكل موارب, ليس فقط للإخوة في الإسلام, ولكن أيضا لأن المنطقة وسكانها كانوا من رعايا الدولة العليِّة ؟ الدولة العلية نفسها لذي كانت تأخذ رجالهم قسرا كجنود صف يدافعون عنها, وتلة (جاليبولي) على مضيق الدردنيل مليئة بأسماء الشهداء العرب الذين قضوا للدفاع عن تركيا ضد الإنجليز والإنزاك, بينما ترك العالم العربي مستباحا مفتوحا, يعبث به الاستعمار الغربي كيفما اتفق. المفارقة تظهر عندما نشاهد نوعاً من العوق الفكري مازال يلوح ببيارق الخلافة العثمانية, كنموذج مثالي لفكرة الاستخلاف في الأرض, وتعيش بعض الجماعات مشروعها المستقبلي على المستوى اللغوى وتعجز عن ترجمته واقعا, فتظل أسيرة شعارات ومترقبة أحلاما لم يستطع الباب العالي تحقيقها للمنطقة طوال 600 عام. تركيا الآن الدولة القوية, المتصعدة في دروب النجاحات الاقتصادية والحضارية, ذات الحضور الدولي المؤثر, والتي تفخر بعلمانيتها وبتطورها الاستثماري, مشغولة بمشروعها المستقبلي وبتخليها عن ارث الغزوات والاستبداد خلف ظهرها, واستبداله بقيم الدولة الدستورية المدنية الحديثة,على أرضية من التعايش والتسامح بين الشعوب. غادرت الخندق الذي مابرح يطوق سور المدينة القديمة في شقراء, راثية لحال أولئك المعلقين في منزلة بين المنزلتين داخل سطور الوثائق العثمانية. يضمرون خيانتهم الوطنية, وانتماءاتهم المهاجرة.