نهتم كثيراً بالبحث عن كل ما يفيد أجسامنا ويدفع عنها الأمراض والأسقام، ونحرص على مواعيدنا الدورية مع الاطباء عند شعورنا بأي خلل يعتري أجسادنا ونجتهد في البحث عن أكثر الأدوية فعالية وسرعة في شفاء ما يعترينا من أمراض. ولكننا نغفل ونتجاهل على الدوام عن تفقد ذواتنا من الداخل، إن النفس تمرض وتصاب بالعجز والضجر والتكاسل والانزواء كما الأجساد تماماً، بل هي علة الأجساد الحقيقية، فمعظم الامراض الجسدية مصدرها نفسي بامتياز. فعلة النفوس ضعف في التركيز، وشعور بالقلق، والتوتر وعدم تقدير للذات، والتشاؤم وشعورٌ بالكسل وعدم الرغبة بالقيام بأي عمل. الم نتساءل كثيراً لماذا يحدث ذلك لنا؟ هل خطر ببالك أن النفوس تحتاج صيانة وترميما دوريا؟ وكيف يتم ذلك؟ وإلى ماذا نحتاج كي نفعلها؟ للأسف الأغلبية منا لم تخطر بباله تلك الخطوة الهامة في حياته رغم أن نبينا أرشدنا لها قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ تَصْدَأُ كَمَا يَصْدَأُ الْحَدِيدُ "، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا جَلَاؤُهَا؟ قَالَ: " تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ " إن الصدأ الذي يعتري القلوب يمنعها من العمل بشكل طبيعي بل يجبرها على التوقف في مجال محدد لا تستطيع الخروج منه ولا تجاوزه، فقد شبهها رسولنا الكريم بالآلات الحديدية التي تصدأ عند تعرضها للرطوبة فلا يمكن أن تعود تلك الآلات لطاقتها وقوتها الا عند وضع مادة زيتية تعيد لها السلاسة والمرونة. فالحل الناجح لرفع الصدأ عن القلوب وتجديد طاقتها وهمتها هو تلاوة القرآن، بتدبر وتفكر فهو علاج رباني وصفه لنا من خلقنا. نحن بحاجة ماسة لوقت مستقطع هادئ نخلو فيه بذواتنا نسترخي ونتأمل ونبحر ونغوص في مكنون نفوسنا ونفتش عن نفائسها ونخرجها للعلن لنحقق القوة والتوازن والإيجابية، ولتترصد شباكنا بكل صدأ وباهت وسلبي ونرمي به بعيداً في سلة المهملات، ونحاول أن تكون هذه الخطوة عادة دورية نمارسها ونعيد فيها ترتيب أوراقنا وأولوياتنا. تذكروا نحن فقط من نستطيع مساعدة أنفسنا أن القوة التي تستمد من الداخل هي القوة الحقيقية التي لا تهزم. الانشغال بعيوبنا وإصلاحها ومجاهدة النفس والتعامل معها بعقلانية وواقعية متوازنة مرحلة تأخذنا للإبداع والتفكر. وليكن للخيال البناء مساحة في حياتنا لدعم ثقتنا بأنفسنا وتعزيزها فلا بأس أن نتخيل أننا اذكياء وجذابون ومحبوبون ليفعل ذلك مفعول السحر في ذواتنا. كسر الروتين المعتاد وبقوة وحزم يكسر معه الملل والرتابة ويخلق عادات جديدة ومشوقة علينا أن نستثمر طاقاتنا فيما هو خلاق ومثمر ولا نهدرها في التحسر على ماضٍ مؤلم ومستقبل مبهم مجهول لنستثمر الوقت الحاضر بما يحقق لنا أهدافنا وأحلامنا دون أن نلتفت لما مضى وفات. ولنتعامل مع مشاكلنا على أن لها حلولاً ممكنة تحتاج فقط لقليل من التأمل والحكمة للوصول لها ولنجعل تجاهل صغائر الأمور عادة متأصلة، وننظر للأمور بحجمها الطبيعي دون تضخيم إن وضع أهداف نسعى لتحقيقها يعزز السعادة في نفوسنا ويصنع المعنى الحقيقي لحياتنا. "إن الانسان الذي ينظر إلى حياته على أنها عديمة المعنى ليس تعيساً فحسب بل يكاد يكون غير صالح للحياة " البرت اينشتاين.