بات خطر الهجمات السيبرانية أكثر تهديداً وتحدياً من ذي قبل لقد أصبحت الدول تلجأ للسلاح السيبراني كونه أقل كلفة على المستخدم وأكثر تكلفة على المستهدف وغموضه وتعقيد تركيب برمجياته يزيد من وطأة ضرره، فأصبحت بعض مرافق الحكومات الحاسوبية تحمل في طياتها خلايا الكترونية نائمة تطلق هجماتها في لحظات غير مقدرة أو محسوبة. إن مايعرف بالانترنت المظلم يعد مرتعاً للجماعات الارهابية والقرصنة والتهريب وبيع الممنوعات والاسلحة كما ان ضعف الرقابة على هذه الطبقة وصعوبة تتبع الجاني وتحديد هويته أدى إلى تهيئة الفرص للمنتهكين لإعداد جرائمهم. ولَم تزل المملكة تواجه هذا التهديد يوماً بعد يوم، وقد كان في الهجمات الاخيرة التي تعرضت لها العديد من الجهات مثالا ودليلا على ضرورة حث الجهود لتدعيم عنصر الردع والوقاية اكثر من عنصر المعالجة والتصحيح . حيث ان الابحاث التي اجرتها العديد من الجهات المختصة في الامن الالكتروني أثبتت ان الرمز أو الكود المستخدم في الهجمات الاخيرة فيما عرف بهجمات "شمعون" على المملكة مطابق للكود الذي تم استخدامه في هجمات ارامكو 2012 ، وهذا يضعنا امام سؤال يحمل علامة تعجب كبيرة، إذ كيف لا يتم رفع الجاهزية الأمنية لمنع تكرار هجمة الكترونية بأدوات تم استخدامها مسبقاً؟ يوجد اليوم حاجة ملحة إلى التكامل المعرفي بين رجال القانون والتحقيق والقضاء مع الجهات التقنية والحاسوبية، فيكون على الجامعات إعداد منهج متخصص عن الجرائم المعلوماتية مع وضع معايير للتحقيق في الجرائم المعلوماتية والأدوات الفنية مع ضرورة تحديد مجال الجريمة المعلوماتية ليتم خلالها تحديد الشواهد والبراهين على مرتكبيها بالإضافة الى الاهتمام بالصفات والسمات لمرتكبي الجرائم المعلوماتية، وتدريب محققين قادرين على جمع وتحليل الدليل الالكتروني وأن يكونوا على دراية بالقوانين الدولية الخاصة بتسليم المجرمين والمساعدة المتبادلة، فقد يكون هناك جانب لبعض التحقيقات الدولية التي ترتبط بقواعد الاثبات والاجراءات الجنائية، لكن مع ذلك يجب تكثيف الجهود لصنع قوى رادعة ووقائية تمنع التعرض للهجمات السيبرانية، كالتركيز على عنصر النزاهة، حيث إن طرف خيط أي اختراق الكتروني هو تسريب معلومات او احد الموظفين المتآمرين الذي اتاح الفرصة وهيأ البيئة المناسبة لوصول الهجمة الالكترونية . وأيضاً، تعاون الجهات المختلفة على المستوى السيبراني ضروري لتحقيق عملية الوقاية، فمراجعة وثائق الخصوصية الخاصة بالشركات والقطاعات الخاصة يعد ذا اهمية كبيرة حتى لاتكون مانعاً للجهات الحكومية من التدخل والرقابة الامنية. فحماية البنى التحتية والمعلومات الامنية يتطلب تعاون تلك الجهات مع العناصر الحكومية. كما ان التثقيف الالكتروني وتوعية المواطن بمختلف الخطوات الاساسية التي تجعل حساباته وتعاملاته ومعلوماته في مأمن من أي تجسس او اختراق يعد احد العناصر الرئيسية التي تكفل التعاون الامني، وقد أثبتت الدراسات الاخيرة أن الفرد او المؤسسة تحجم عن ابلاغ السلطات عن الجريمة الالكترونية مما ادى الى انتشار مايسمى بالجريمة السوداء وهي التي لايتم اكتشافها من قبل السلطات لسكوت المجني عليه، وقد ذكرت تلك الدراسة ان السبب الرئيسي لذلك السكوت هو أن خسارة العميل المادية تشكل بالنسبة له أكثر ضررا من فكرة الجريمة ذاتها. فالحماية والوقاية عملية تكاملية بين القطاع العام والخاص والمواطن لرفع مستوى الامان الالكتروني وحفظ المعلومات فتحقيق الحماية على المستوى المحلي يقوي من الردع على المستوى الدولي . * محاضرة في القانون الدولي/ جامعة الملك سعود