سعى كتاب صدر مع مستهل 2017 عن سلسلة «أوراق» التي تصدرها «مكتبة الإسكندريّة» بعنوان «أسلحة الفضاء الإلكتروني في ضوء القانون الدولي الإنساني»، إلى تقديم إجابات عن أسئلة رئيسة بصدد مشروعيّة استخدام الأسلحة السيبرانيّة- الإلكترونيّة في الصراعات الدوليّة. ما علاقة أسلحة الفضاء الافتراضي بمبدأ منع استخدام القوة في العلاقات الدوليّة؟ ما تأثير الفضاء الإلكتروني في القانون الدولي العام، بل المتغيّرات الأساسيّة الأمن والقوة في الصراعات العالميّة؟ ما طبيعة الهيمنة السيبرانيّة؟ ما هي المزايا الإستراتيجيّة في استخدام الأسلحة الإلكترونيّة؟ وقدّم الكتاب الذي وضعه الزميل عادل عبد الصادق، معالجات متنوّعة حول تأثير الفضاء الإلكتروني في القانون الدولي العام، خصوصاً القانون الإنساني للحرب، متناولاً سُبُل تطبيقه على هجمات تستخدم فيها أسلحة الفضاء الإلكتروني. ودفع الكتاب بمجموعة مقلقة من الأسئلة الوازنة عن الإشكاليّة التي تصدّى لها. كيف يمكن اعتبار الأسلحة الإلكترونيّة استخداماً للقوة في العلاقات الدوليّة؟ ما هي مشروعية استخدام تلك الأسلحة في نزاعات مسلّحة؟ ما هي مشروعية استخدامها في الدفاع عن النفس؟ ما هي التحديّات أمام التعاطي القانوني الدولي معها؟ ما هو مستقبل التعامل الدولي مع الأسلحة السيبرانيّة، وأدوات أمن الفضاء الإلكتروني؟ وأشار عبد الصادق الذي يعمل في «مركز الأهرام للدراسات السياسيّة والإستراتيجيّة» ويدير «المركز العربي لبحوث الفضاء الإلكتروني»، إلى المناحي التي تعطي الفضاء الإلكتروني خصوصيّته وتحدياته وأنماط استخداماته مدنيّاً وعسكريّاً. ولاحظ أن ذلك استتبعته ضرورة الانتقال من مرحلة الفوضى إلى التنظيم بالنسبة إلى عمليات الاستخدام المتعددة للفضاء الإلكتروني. ولفت أيضاً إلى وجوب البحث عن مسارات متكاملة لتحقيق ذلك الهدف، منبّهاً إلى تضمّنها أبعاداً تقنيّة وسياسيّة وإعلاميّة واقتصاديّة وقانونيّة. وحضّ على العمل على تنظيم الاستخدام السلمي للفضاء الإلكتروني، بهدف تحقيق التوزان بين الاستخدامات والواجبات. الذكاء الاصطناعي سلاحاً ووفق الكتاب، من المتوقع أن يشهد القرن ال 21 انتشاراً واسعاً لاستخدام الأسلحة الإلكترونيّة، سواء بمفردها أم بالارتباط مع الأسلحة التقليديّة. ويتصاعد ذلك الأمر في ظل التقدّم في مجال الذكاء الاصطناعي وصعوبة فرض حظر على النشاطات العسكريّة عبر الفضاء الإلكتروني، سواء جاءت من دول أم من جماعات غير رسميّة. وكذلك هناك مسار من التطوّر المستمر في أنواع الأسلحة الإلكترونيّة، يظهر ذلك في بروز نمط جديد من الصراع الدولي عبر الفضاء الإلكتروني الذي أصبح مساحة للأعمال العدائيّة. واستطراداً، تمثّل التهديدات السيبرانيّة تحدّياً أمنيّاً جديداً، ما يربطها أيضاً بالخبرة المتراكمة لدى المجتمع الدولي في التعامل مع الأسلحة الكيماويّة والنوويّة والبيولوجيّة، عبر تطوير نظام الأمن الجماعي وفق ميثاق الأممالمتحدة، وهو ما يشار إليه بمصطلح «قانون الحرب». وبذا، تتضح حتميّة البحث عن سُبُل التعامل مع المتحوّل الرقمي ضمن أطر قانونيّة ومؤسّساتيّة. وأكّد كتاب عبد الصادق أيضاً أنّ المتبدّل السيبراني وحروبه، تترتب عليه ضرورة إعادة النظر في ثلاثة مفاهيم هي: الشرعيّة، والسلطة القانونيّة، والتأثير والنفوذ. وتضاف إلى تلك الثلاثيّة مجموعة متغيّرات داخليّة خارجيّة تتصل بتفاعل المعطيات الدوليّة معها. وبات نافلاً القول إنّ الفارق بين المحلي والدولي ليس أمراً يسهل البت فيه، لأن الفضاء السيبراني عابر للحدود بالتعريف، ما يفضي أيضاً إلى كونه متجاوزاً للحدود القضائيّة. ولعل النقاش الأميركي في الهجمات الروسيّة إبّان الانتخابات الرئاسيّة هو مثل فائق الوضوح عن غياب موقف قانوني حاسم في شأنها. وينطبق وصف مماثل على الأعراف الدوليّة، وسلطة محكمة العدل الدوليّة. توصيّات تشمل حوكمة الإنترنت عرض كتاب «أسلحة الفضاء الإلكتروني في ضوء القانون الدولي الإنساني» عدداً من التوصيات المتعلقة بطُرُق الحدّ من التأثيرات السلبيّة لنمو التوجه العالمي في مجال تطوير واستخدام الأسلحة السيبرانيّة. وشملت ضرورة العمل على إدراج الأسلحة السيبرانيّة ضمن الاتفاقات الدوليّة للحدّ من التسلح، والعمل على إدخال الفضاء الإلكتروني ضمن إستراتيجيّة الأمن القومي للدول، وتبني سياسات تتعلق بسُبُل السيطرة على الأمن في الفضاء الإلكتروني. كما شملت التوصيات ضرورة العمل على تحديث الجيوش بتقنيات المعلوماتيّة ومهاراتها بما فيها طُرُق التعامل مع التهديدات السيبرانيّة، وصولاً إلى إحداث ثورة تكنولوجيّة في المجال العسكري. وتناولت أيضاً ضرورة التحرك بطريقة جماعيّة بهدف إدخال الفضاء الإلكتروني ضمن منظومة الأمن الجماعي عالميّاً، والتوصل إلى صوغ اتفاق دول في شأن الفضاء الإلكتروني وأمنه وسلامته، خصوصاً كونه قوة سياسيّة دوليّة. وتناولت التوصيات أهمية مشاركة أطراف مجتمع المعلومات العالمي كلها، في تحمل مسؤولية الفضاء الإلكتروني وأمنه وحمايته، إضافة إلى تفعيل المنتديات العالميّة المهتمّة بحوكمة الإنترنت كمنصة دوليّة مفتوحة للبشر كافة. ولفتت أيضاً إلى أهميّة النقاش في الاتجاهات الحديثة في حماية الاستخدام السلمي للفضاء الإلكتروني. وطرحت التوصيات أهمية العمل على المستوى الدولي في حل الصراعات الدوليّة في ذلك الفضاء، مشدّدة على ضرورة نهوض الدول بمهمة تحديث أطرها التشريعية لمكافحة الجريمة الإلكترونيّة، والعمل على تأمين البنية التحتيّة الكونية للفضاء السيبراني، بل إدراجها ضمن المنشآت المدنية المحظور استهدافها. وكذلك نبّهت إلى ضرورة إنشاء لجنة دوليّة لإدارة الأزمات السيبرانيّة، وتأسيس مراكز تدريب محلية في مجال مكافحة الطوارئ المعلوماتيّة، والعمل على بناء القدرات في مجال الأمن الإلكتروني في كل دولة على حدة أيضاً.