الحضور اللافت والمذهل، من قبل المواطنين لفعاليات مهرجان الجنادرية العريق في دورته ال31، والمطالبات المتعددة بتمديد وقته، يكشف عن الظمأ السعودي لمثل هذه الفعاليات الرصينة في أبعادها الترفيهية، قبل جذورها التقليدية والتراثية، في وقت تتكاثف فيه ضغوط الحياة، وتتطلب مزيداً من الترويح البريء، الذي ينطلق من مكنون حضاري، ومخزون تثقيفي عميق. ورغم الكثير من الجدل الشائع، والتناقض الاجتماعي، حول ماهية هذا الترفيه، إلا أن الواقع يعطينا درساً مهماً، وهو أن الترفيه في مجتمعنا لم يعد من الأمور الثانوية، التي ينظر إليها بعضنا على أنه مضيعة للوقت، ومجرد ملء فراغ، ولكنه بات مكوناً أساسياً نحتاجه، سواء من المنظور الشخصي والفردي، أو من المنظور الوطني كصناعة جاذبة تستقطب مليارات الريالات التي نهدرها في الخارج، ومطلوب استثمارها بكل جدية وواقعية في الداخل السعودي بقدر الإمكان. صناعة الترفيه، كما في كل دول العالم، باتت رافداً اقتصادياً مهماً تتنافس في مجالاته كل دول العالم، وتحرص على إبراز إمكانياتها، كعنصر اقتصادي واجتماعي لتنويع الموارد، تهيئة لمرحلة ما بعد النفط، لذا كانت رؤية 2030 الاستراتيجية، تركز بشكل كبير على مواجهة هذا الاستنزاف بشكل صريح وواضح، لاحتواء ما قيمته 96 مليار ريال سنوياً -حسب تقديرات مركز "ماس" التابع للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني- تنفقها عائلاتنا السائحة في شتى بقاع الأرض. وإذا علمنا أن معدل إنفاق الأسر السعودية على الثقافة والترفيه في الداخل، لا يتجاوز 3% تقريباً، ويضيع الباقي في الخارج، نستبشر خيراً من استهداف رؤية 2030 مضاعفة الرقم إلى 6%، بالتوازي خطة طموحة لتيسير إجراءات الزيارة، وتطوير المواقع السياحية، ورفع كفاءتها، وتدشين مشروعات ثقافية وترفيهية، أعتقد أنها خيار ضروري في ظل هيئة الترفيه -ورئيسها أحمد الخطيب- التي عليها ألا تنتظر الكثير من الوقت، وتتخلى عن تباطئها وهي ترى هذا الحرمان الواضح للاقتصاد الوطني من أحد أهم محاوره. وإذا كان سمو ولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، قد راهن على أن قطاع الثقافة والترفيه "سيكون رافداً مهماً جداً في تغيير مستوى معيشة السعودي خلال فترة قصيرة".. وإضافة إلى توفير آلاف الفرص الوظيفية، فإننا لا يمكن أن نقف عاجزين أمام إحصائية -غير رسمية- تؤكد أن قرابة 9 ملايين مواطن لا يجدون متنفساً يُمضون فيه أوقاتهم خارج العمل، وأن كثيراً من الشباب الذين يمثلون 60% من إجمالي السكان، لا يجدون سوى المقاهي ليرفّهوا عن أنفسهم، دون أن نتجاهل الآلاف من الأسر التي تكتفي بقضاء وقتها في الأسواق والحدائق للترويح عن النفس. أمامنا تحدٍ كبير، ونملك المقومات والإمكانيات، ونحتاج فقط أفكاراً من خارج الصندوق، وحلولاً غير بيروقراطية، وأمامنا تجارب دول عديدة، نجحت في استقطاب الملايين لمجرد أنها فكرت ملياً في أوراق الترفيه كيف ومتى. ولعل الرجل الشجاع الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد يدعم هذا الملف، مما يجعلنا نخطو خطوات أسرع.