جبل الإنسان على حب النجاح والتميز في جميع أموره الحياتية، ولكن القليل من يستطيع شق طريقه في الحياة بعصامية دون النظر إلى بدايات الفشل التي تحيط به، فكل فرصة للفشل تعطيه دافعاً وحافزاً على الاستمرار والمثابرة من أجل الوصول إلى ما يطمح اليه، وحفل تاريخنا بنماذج مشرفة من العصاميين منذ بداية ظهور الإسلام إلى يومنا هذا بدءا من الصحابي الجليل عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه - الذي اختار عند وصوله إلى المدينةالمنورة مهاجراً مع من هاجر من مكة العمل في السوق على الرغم من أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد آخى بين المهاجرين والأنصار مما جعل الأنصار يشاطرون المهاجرين أموالهم وسكناهم ولكن عصامية عبدالرحمن بن عوف قد أبت ذلك فقال لمن آخاه وهو سعد بن الربيع الذي عرض عليه أن يناصفه أهله وماله بارك الله لك في أهلك ومالك دلني على السوق فعمل فيه بجد ومثابرة وباع واشترى فربح شيئاً من إقط وسمن، ويقول في سيرته لم أخرج ذلك اليوم من السوق إلا وأنا ذو رأس مال، واستمر في العمل فصار من أصحاب التجارة والغنى حتى أن ورثته لما مات قسموا ثروته من الذهب بالفؤوس، وتزخر بلادنا بوجود كوكبة من العصاميين الذين أبهروا من حولهم بنجاحاتهم رغم وجودهم في زمن شظف العيش التي شهدتها البلاد في بدايات التأسيس، كما شهد العالم من حولنا العديد من العصاميين التي باتت سيرتهم نبراساً لمن يريد السير على خطاهم، والحقيقة بأن المجال لا زال مفتوحاً لمن أراد بركب العصاميين من الشباب الطموح، فالعصامية هبة من الله يعطيها لمن يسعى حثيثا للحصول عليها، فما بين زماننا وزمان جيل الأمس طرأت الكثير من التغيرات بعد انتشار العلم والمعرفة والثورات الصناعية والتقدم التكنولوجي المتسارع والمتجدد، فبينما بذل الكثيرون أكثر من شطر أعمارهم في سبيل الوصول إلى ما وصلوا اليه مضحين بكل ملذات الحياة في وقتهم وان كانت قليلة فإن جيل اليوم بفضل المعرفة والعلم والتقدم ووسائل الاتصال الحديثة اختصر الوقت والزمن ليلحق بركب العصاميين الجدد بوقت قصير وبدا على أغلبهم الثراء السريع دون حرمان أنفسهم من أغلب حاجاتهم الأساسية بل أخذوا حقهم من الراحة والترفيه بما يكفي. العصامية كل من يشق طريقه في الحياة ويبدأ من الصفر يطلق عليه اسم عصامي، وعند سبب التسمية نجد أن السبب في ذلك نسبة الى عصام بن شهبر الجرمي حاجب النعمان بن المنذر الذي أصبح ملكا لعلو همته وحسن تدبيره وقوة عقله بعدما كان مجرد حاجب، حيث قال فيه النابغة الذبياني نفس عصام سوّدت عصاما وعلمته الكر والإقداما وصيّرته ملكا هماما حتى علا وجاوز الأقواما والعصاميون هم بشر مثل غيرهم ولكن يميزهم العديد من الصفات والسمات التي تكون بارزة فيهم أكثر من غيرهم ومن أهمها القدرة على صنع الذات، والاعتماد على النفس، والرؤية وتحديد الأهداف، والقدرة العالية في الإبداع والحلول الإبداعية، والمبادرة والمخاطرة يصاحبها مستوى عالٍ من الطموح، وأخيراً التفاؤل وعدم اليأس والقنوط، فإذا اجتمعت هذه الصفات في شخص كانت كفيلة بأن تجعل منه عصامياً ناجحاً ليشق طريقه في الحياة بكل يسر وسهوله ويحقق أحلامه وطموحاته. الكفاح في الوقت الذي كان فيه الناس يعانون من شظف العيش وقلة ذات اليد في بداية القرن الهجري المنصرم إلا أن هناك عصاميون برزوا في ذلك الزمن واستطاعوا بالجد والمثابرة من الوصول إلى ما وصلوا إليه اليوم من تحقيق ثروات هائلة أو مركز مرموق في المجتمع، فرغم أن حال المجتمع واحد في الظروف المحيطة به إلا أن هناك العديد من أصحاب النجابة والعصامية استطاعوا قهر الظروف وتطويعها كي يتفوقون على أقرانهم بما يمتلكونه من صفات ساعدتهم على ذلك، فبرز العديد من التجار الذين كونوا ثروات هائلة بعد سنين كفاح وصبر، وتطول القائمة بذكر هؤلاء العصاميين، ولكن تبقى سيرتهم العطرة التي تتردد في المجالس العامة بل وفي مؤسسات التعليم، كما نالوا إعجاب الكتّاب والمؤلفين الذين أفردوا لهم الصفحات في الصحف والمجلات وفي وسائل الاعلام الأخرى كالحلقات التلفزيونية التي تلتقي بهم لعرض تجاربهم ومسيرتهم العصامية، كما تم إفراد العديد من الكتب من قبل المؤلفين التي تحكي سيرتهم. لو كان تحقيق الثراء والوصول إلى المجد بالتعب والجهد البدني المتواصل لاستحق ذلك بجدارة الطبقة الكادحة التي تعمل من أول النهار إلى آخره في كثير من المهن، ولكن يبرز عنصر مهم وهو استخدام العقل في تنمية المهارات والابتكار والتفكير المتواصل لتطوير العمل إلى جانب المجهود البدني، وقبل ذلك كله لا بد من توافر عنصر المغامرة لدخول غمار معين من العمل كالتجارة مثلاً، إضافة إلى امتلاك الشخص العصامي العديد من الصفات الشخصية كالصبر والعزيمة والإصرار والمثابرة على العمل، ومن أجل ذلك فالعصامي يضحي بجل وقته من أجل إنجاح عمله ومتابعته، فتراه يبتعد مجبراً عن الراحة ولقاء الأصدقاء أو حضور المناسبات الاجتماعية بل ويضحي براحة جسده إذ لا يأخذ كفايته من النوم لأجل استمرار العمل المثمر، ويمني نفسه بالكثير من الراحة إذا تقدم به العمر وحقق ما كان يصبوا اليه من توفير دخل كبير يجعله من كبار التجار، وكأنه يتبع بذلك نصيحة الشاعر (الخلاوي) التي قالها لولده في أبيات شعر ومنها هذا البيت: ومن تابع المشراق والكن والذرا يموت ماحاشت يديه فوايد المشاهير قد يدور في خلد بعض شباب اليوم بأنه قد انتهى زمن العصامية حيث يظن بأن كل الفرص التي كانت مهيأة لجيل الأمس قد انتهت اليوم وبأن المجال صار صعباً للغاية، ولكن العكس صحيح فلكل زمن كما يقال دولة ورجال حيث يزخر تاريخنا المعاصر بالكثير من النماذج التي استطاعت رغم كل العوائق وبالعصامية أن تشق طريقها في الحياة بالجد والمثابرة حتى وصلت الى مراكز مرموقة في وقت قصير ربما يكون أقصر من وقت من مضى في جيل الأمس بفضل عصر التقنية الذي نعيشه، عند الحديث عن العصاميين الذين برزوا على مستوى دولهم وعلى مستوى العالم فإن من المناسب أن نطرح شخصين اشتهرا على مستوى العالم أحدهما كان من كبار السن والآخر من صغار السن لنبرهن على أن العصامية ليست محددة بعمر معين وأن من كان لديه الإصرار والتحدي يصل الى ما يصبوا اليه مهما تقدم به العمر مثل (ساندرز) الذي لم يحالفه النجاح الا بعد الستين، فقد ولد ساندرز في 1890 ووالده عامل فى منجم فحم، توفى والد ساندرز وهو عمره 6 سنوات واضطرت الأم للنزول للعمل لكي تستطيع الصرف على المنزل كان ساندرز الكبير و لم يجد مفر هو ايضاً من العناية بالبيت وأخوته وتقديم الطعام لهم وفي سن السابعة أتقن طهي عدة أطباق شهية ومنها الدجاج المقلي وعمل أيضا أكثر من مهنة حتى تزوجت والدته ودخل هو الجيش وهو فى عمر 16 عاماً وعمل أكثر من وظيفة، أنهى هارلند دافيد ساندرز الرجل العجوز المشهور ذو الشعر الأبيض الذي ترمز صورته إلى أشهر محلات الدجاج المقلي كنتاكى، بدء مشروعه وهو في الأربعين من عمره حيث كان يقف في محطة القطار ويبيع للمسافرين دجاجه المقلي اللذيذ، استمر 9 سنوات أتقن فيها ساندرز الخلطة السرية الموجودة حاليا في مطاعم كنتاكى التي تتكون من 11 نوعا من التوابل، وفي عامه ال 45 أنعم عليه محافظ ولاية كنتاكى لقب الكولونيل لمهارته في طهي الدجاج المقلي ولكن بعد ذلك تم تغير مسار القطار فأصبح المكان لا يجذب المارين مثل قبل وتكاثرت الديون عليه مما جعله يبيع عربته ليسدد الديون والضرائب، وعاد لبيته ينتظر التأمين الاجتماعي ليعيش منه ولكنه أدرك انه لا يزال في 65 من عمره ويمكنه العمل مجددا، فبدأ بطرح الفكرة على المطاعم، ولاقى دجاجه اللذيذ قبولا من جميع المستثمرين أصحاب المطاعم، و بعد 12 عاما أصبح هناك 600 محل يبيعون دجاج الكونونيل ساندرز، وعند سن 77 قرر بيع كل ممتلكاته لمستثمرين مقابل 2 مليون دولار عام 1964 وفي عام 1966 أصبحت شركة مساهمة في البورصة وفي عام 1971 بيعت مره أخرى مقابل 275 مليون دولار، وفي 1986 اشترتها شركة بيبسى مقابل 840 ميلون دولار، وفي عامه ال 90 قرر قطع (ساندر) 250 ألف ميل لزيارة جميع فروع كنتاكي الموجودة في أكثر من مائة دولة وتضم أكثر من 33 ألف عامل، وأما أصغر عصامي في العصر الحديث فهو (مايكل) مؤسس شركة دل الذي بدأ العمل فى ال 13 من عمره متخذاً منزل والديه كمقر لنشاطه الذي هو جمع الطوابع والذي جمع من خلاله ربحاً 2000 دولار وفي عامه ال15 قام بفك جهازه إلى قطع صغيرة وأعاد تجميعه مرة أخرى، وفي عامه ال 16 احترف بيع اشتراكات الجرائد وعمل ذلك معتمداً على المتزوجين حديثا وجمع ما يقرب من ال 18 ألف دولار فتمكن مش شراء أول سيارة بي إم دبليو وهو في سن ال 18 وبدء شركته الناشئة عن طريق مبلغ من المال حصل عليه من جدية واستهدف مايكل في البداية أصدقاء الجامعة الذين يحلمون بامتلاك حاسوب يتناسب مع إمكانيتهم المادية وكان مايكل صاحب مبدأ إن البيع المباشر مفيد للبائع لأنه يعرف السوق ومتطلبات العملاء وفي 1985 تمكنت شركته من إطلاق أول حاسب خاص بها وسمها تربو بي سي وكان معالج أنتل بسرعة 8 ميجا وركزت الدعاية على المجلات التقنية والبيع المباشر وتميز هذا المنتج عن غيره بالمرونة عن طريق تجميع الأجهزة حسب مطالبات العميل عن طريق أكثر من خيار مطروح مما أدى إلى توفير الكثير من المال لكي يصبح من أرخص الأجهزة الموجودة في وقته وكانت شركة (بى سيز) المحدودة أول شركة تنجح في هذا النوع من البيع، وفي عام 1987 كان عائد الشركة 6 ملايين دولار وفي 1988 غير مايكل اسم الشركة إلى شركة (Dell) المعروفة لنا الآن، وفي عام 1992 وضعت مجلة فورتشن شركة دل في أكبر 500 شركة حواسب وفى 1996 تم فتح المتجر الإلكتروني والبيع عن طريق الانترنت وفي 1999 تخطت شركة دلّ غريمها التقليدي ( Compaq ) في المبيعات والتصنيف العالمي وفي عام 2003 وافق مساهمي شركة دل في تغير الاسم ليتمكنوا من الدخول في مجالات أخرى غير الحواسب وفي عام 2004 بدأت دل في دخول مجال الشاشات المسطحة والحواسب والكاميرات ومشغلات الموسيقى، أما محلياً فقد برزت العديد من الأسماء التي أوصلتها العصامية إلى عالم الشهرة والمال بما قدموه من كفاح وتضحية وجهد حيث بدأو من الصفر ومنهم على سبيل المثال لا الحصر صالح الراجحي، سليمان العليان، محمد بن عوض بن لادن، سالم أحمد بن محفوظ، صالح كامل، عبداللطيف جميل، حمد عبد الله الزامل وإخوانه، رفيق الحريري، ولأهمية الحديث عن حياة هؤلاء العصاميين فقد اعتنت بهم العديد من وسائل الاعلام ومن أهمها التلفزيون ومن أنجح البرامج التي تقدمها القنوات الفضائية هو برنامج ( صناع الثروة ) والذي يقدم كل ثلاثاء على قناة روتانا خليجية، وليس أمر العصامية أيضاً مقتصراً على جمع المال بل على فقد تكون العصامية أيضاً لتحقيق رغبة في تبوء مركز اجتماعي أو نجاح في تحقيق غاية والوصول إلى مركز مرموق مثل ما يحصل من طلبة العلم الذين شقوا طريقهم بعصامية في طلب العلم وسهروا الليالي وتغربوا عن بلدانهم من أجل تحقيق هذه الغاية كما قال الشافعي: أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وصحبة أستاذ وطول زمان كما أن الوصول الى أفضل المراتب كان طريقه التحدي والعصامية مثل ما حصل لوزير البترول السابق المهندس علي النعيمي الذي بدأ العمل في شركة أرامكو مراسلاً بعمر اثني عشر عاماً فقد غير حدث مسار حياته وذلك حينما منعه أحد المهندسين في الشركة من شرب الماء من برادة مياه وقال إنها مخصصة للمهندسين فقط وأنه عندما يكبر ويصبح مهندسا سيستطيع شرب الماء، فعقد العزم على تحقيق ذلك وإنخرط في الدراسة حتى تخرج مهندساً وبعد 48 سنة من العمل المتواصل تمكن من أن يكون أول سعودي يترأس شركة أرامكو ومن ثم وزيراً للبترول. جيل عصامي برهن جيل اليوم على أن العصامية ليست محددة بوقت أو زمن معين بل هي في كل الأزمان والأوساط واستطاع العديد من الشباب الطموح السعي وراء تحقيق النجاح في أعمالهم التجارية على سبيل المثال وذلك بالجد والمثابرة وروح المغامرة والتطوير والصبر في سبيل الوصول إلى الهدف المنشود، ومن أمثلة هؤلاء الشباب من كان يعمل في بيع المكسرات عن طريق التجزئة بسيارته الخاصة في الأسواق والتجمعات ومع مرور الوقت تم التوسع في عمليات البيع وافتتاح محل تجاري خاص ومن ثم افتتاح فروع أخرى، وأخيراً اتجه إلى عمليات التعبئة إلى أن إمتلك معملاً خاصاً للتعبئة وتحولت المحلات إلى سلسلة من المحلات تحت مسمى مؤسسة ثم شركة تضم العشرات من الموظفين والموزعين، كما نجح العديد من الشباب في توسعة نشاطاتهم كتعبئة التمور وإفتتاح المقاهي ومطاعم الوجبات السريعة التي كانت بداياتها بسيطة لكن مع الوقت والتطوير وصلت إلى شركات منافسة اكتسبت حصة كبيرة من المبيعات. المرأة قديماً قاومت مصاعب الحياة وعملت بشرف وجد لكسب العيش العصاميون قديما شقوا طريق النجاح ولم يجدوا التسهيلات التي وجدها عصاميو اليوم استغلال الفرص والمغامرة شجعت العصاميين على تكوين ثروة رغم شظف العيش قديماً العمل الشريف يرسم طريق النجاح لمستقبل أفضل الناجحون بدؤا في مهن بسيطة ثم شقوا طريق النجاح طريق النجاح يبدأ بالصبر والإصرار والعزيمة واقتناص الفرص كثير من قصص العصاميين كتبت خارج المكاتب الفارهة حمود الضويحي