يقول هانز أولريخ أوبريست، المدير المشارك لجاليري السربنتان في لندن: "إيتيل عدنان هي واحدة من أكثر الفنانين تأثيراً في القرن ال 21." نسترجع كيف احتفل معهد العالم العربي في باريس بتكريم الفنانة والشاعرة إيتيل عدنان بمعرض لأعمالها الفنية المستعارة من شقتها في سان سولبيس بباريس ولم يسبق لهذه الأعمال أن عُرِضَتْ من قبل، وجاء المعرض بعد عامين من تكريم فرنسا لها بمنحها وسام الفنون والآداب برتبة فارس. وهو أهم وسام يمنح لنتاج إبداعي متميز، ونتاج إيتيل عدنان يرجع لعام 1960، أي مايزيد عن نصف قرن من العطاء الذي لايخمد ولايكف يتدفق في تنويعات شتى بين الشعر والمسرح والتشكيل. وتشارف إيتيل عدنان التسعين، وتشهد حالياً رواج أعمالها الفنية وتدفق الثروة التي تسخر من كونها تجيء في عمر متأخر، حسب تعبيرها، "حين لم يعد لإنفاقها لذة، وحين لم تعد لدي القدرة على التمتع بهذه الثروة." المرة الأولى التي التقينا بها إيتيل عدنان شخصياً كانت في باريس في مقهى الدوماجو، وذلك حين نشرت مؤسسة المنصورية للثقافة والإبداع برئاسة الأميرة جواهر بنت ماجد كتاب شادية عالم الفني الأدبي المعنون "جنيات لار" حين رسمت شادية القوى المؤنثة والتي تتدفق في نهر لار أقدم أنهار جزيرة العرب، وقمت بكتابة أسطورة خروجه للوجود من جديد جالباً جنات عدن في ركابه، يومها كان كتاب الجنيات سيعرض في معهد العالم العربي بباريس، وتبنت إبتيل عدنان الجنيات، وأظهرت إعجابها بهذا الإنجاز الفني الأدبي النادر، رعاية مبدعة كبيرة تحتوي كل ما هو بديع وواعد. إيتيل هي طاقة محركة تتوقد لوناً وكلمة وإيقاعاً شعرياً، تخترق لقلبك مباشرة بقوة جأشها، لم يسبق والتقيت بمن تتجسد فيه رباطة الجأش وقوة القلب كما تتجسد في هذه المرأة الراسخة، فيها من صلابة الخارج ورهافة الباطن، إذ أنها تحتدم كمحاربة وتذوب عشقاً كحزمة نور. وهاجس إيتيل الحب والحرية والهوية ونقيضها الحرب إذ عرَّت حرب الجزائر وحرب بيروت، ولم تتورع عن انتقاد حرب فيتنام عام 1970 رغم إقامتها على الأراضي الأميركية حين انتقلت من دراسة الفلسفة بجامعة السوربون لتستأنف دراستها في جامعة كاليفورنيا، بل وتكرر موقفها الحازم ضد الغزو الأمريكي للعراق. موقف إيتيل عدنان من الدمار صريح وغير مجامل للقوى العظمى، تنتشر صورتها مؤخراً في قنوات التعبير الاجتماعي في حديث تناشد البشر بإحداث تغيير ينقذ الأرض من الدمار، ويذكرنا موقفها من التغير المناخي بموقفها من دمار لبنان، وذلك في رائعتها رواية "الست ماري روز" عام 1977 التي تحلل بعمق إنساني رهيف الحرب الأهلية اللبنانية، رواية حققت نجاحاً لفرط حساسيتها وصدقها، واحتلت مكانتها ضمن كلاسيكيات أدب الحرب، بل وحصدت جائزة "فرانس بريس" وتُرجمت لعشر لغات. ولدت هذه الشعلة الروحية عام 1925، ونشأت في بيروتلبنان، في دمائها تجري تأثيرات الغرب والشرق، فوالدتها يونانية من سميرنا Smyrna بينما والدها سوري من كبار الضباط العثمانيين. بهذه الشمولية نشأت إيتيل طائراً مغرداً بكل اللغات من اليونانية للتركية والفرنسية والإنجليزية، وأضافت لذلك لغة اللون والتشكيل، إذ لا تكف تبحث عن سبل لإرسال هذا الذي يتدفق فيها منذ عام 1960 وحتى الآن، نهلت من عمق ريلكة ومن وحشية رامبو والحرية الروحية التي حركتهما، إذ تتنوع ثقافاتها وتنتشر بين القارات كإبنة للأرض ملقية لشعرها ولوحاتها ومحاضرة مابين القارة الأوروبية والأميريكية. ماتفعله بالتشكيل لايقل عمقاً عما تنحته بالكلمة فلقد استضافت لوحاتها المتاحف العالمية مثل متحف ويتني بأميريكا، ومعهد العالم العربي بباريس ومؤخراً معرضها المتنقل من تنظيم هانز أولبريشت والذي يحمل عنوان "إيتيل عدنان بكل أبعادها"، والذي تنقل من باريس للدوحة في متحف فنها الحديث، وبوسعنا القول أن أولبريشت قد نجح في الإلمام بأحد عشر بُعداً لأعمال هذه المبدعة اللانهائية الأبعاد، بُعد الرسم بالكلمة شعراً ونصراً وبُعد اللون المنبسط على الورق والقماش بل وعلى السجاد الذي تأثرت به عقب زيارتها للقاهرة في حوانيتها الشعبية. إيتيل بحق طائر خرافي يحلق في فضاءات تخلقها من حسها بالنادر والخام والوحشي، وكما تقول، "الطبيعة مصدر بهجة لي، ارسم الجبال والتلال حتى في باريس." باريس التي تصفها بتفرد بكونها "المدينة الذائبة التي قلبها جسر."، إيتيل هي هذا الذائب والذي لايكف يرسل اللانهائي من الانعكاسات وحتى الرمق الأخير، وكما تقول، "هل بإمكاننا أن نعيش بلا أقواس وانعكاسات؟ لا! إنه كالعيش بلا ماء، وهو أمر مستحيل". أحد أعمال إيتيل