لقيت إيران في احتلال أميركا للعراق فرصة ذهبية لإعادة الوهج إلى جمرة الثورة، وكان خروج الشعب السوري على نظامه المستبد وقودا إضافيا أشعلت به إيران الرأي العام الداخلي للتصرف كمؤسسة ثورة وليس دولة.. عندما يعجز الإنسان عن توظيف عقله يتجه إلى الحرب، ويعتقد أن حربا واحدة يمكن أن تحل جميع مشاكله. وعندما تخرج حروب الكلمات عن نطاق السيطرة، تبدأ حروب الأسلحة، وإذا كانت الحربان الأولى والثانية قد بدأتا بحروب كلامية أفشلت مساعي العقل فاندلعتا لتحصد أرواح الملايين من الأبرياء وتشرد أضعافهم. يقول إنشتاين بأنه لا يدري بأي أسلحة سيتم خوض الحرب العالمية الثالثة، ولكنه يعرف أن الحرب العالمية الرابعة ستكون بالسلاح الأبيض والعصي. حرب الثماني سنوات بين إيران والعراق قدمت لنظام ولاية الفقيه خدمة البقاء والتمكن من مفاصل الدولة في وقت كانت المظاهرات تعم الشوارع الإيرانية احتجاجا على اختطاف ثورتهم التي أطاحت بالشاه بحثا عن الحرية والعدالة والشفافية والتنمية. بدون تلك الحرب لم يكن لنظام الملالي أن يسيطر على الداخل الإيراني، ولكن لأن طبيعة الشعوب التكاتف والتحفز في وجه الخطر الخارجي فقد استغلت إيران الحرب وأطالت أمدها لإكراه الشعب الإيراني على الصمت عن الفظائع التي ارتكبت في حق أبنائه وبخاصة المعارضة. منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية لم تنجح أميركا ولا دول المنطقة في احتواء إيران لأن أي جنوح لذلك النظام إلى السلم يجعله في مواجهة استحقاقات داخلية يهرب منها على الدوام إلى الخارج. بداية فترة خاتمي الأولى أحيت في الشعب الإيراني الآمال في استعادة ثورته وحرياته، فكانت استجابة النظام سريعة بتقييد صلاحيات الرئيس المنتخب الذي لم يكن سوى جندي في زمرة النظام. لقيت إيران في احتلال أميركا للعراق فرصة ذهبية لإعادة الوهج إلى جمرة الثورة، وكان خروج الشعب السوري على نظامه المستبد وقودا إضافيا أشعلت به إيران الرأي العام الداخلي للتصرف كمؤسسة ثورة وليس دولة. الاتفاق النووي مع الدول العظمى كان محاولة من إدارة أوباما في الوصول إلى الداخل الإيراني، ولكن النظام كان أذكى منه فقطف نتائج الاتفاق فيما وصله من أموال نقدية، وبما أبرم من اتفاقات اقتصادية وبخاصة مع دول أوروبا، ولكنه لم يسمح مطلقا لأي من آمال أوباما وإدارته أن تصل إلى داخل إيران، بل على العكس من ذلك وصل الملالي إلى عمق البيت الأبيض عن طريق مؤسساتهم في واشنطن إلى درجة أن تريتا فارسي المسؤول عن اللوبي الإيراني في أميركا دخل البيت الأبيض 33 مرة منذ منتصف عام 2013م للقاء مستشاري الأمن القومي والسيدة الأولى والفريق الإيراني العامل في سكرتارية البيت الأبيض. أعتقد أن هاورد خور الرئيس التنفيذي لأكبر لوبي إسرائيلي AIPAC لم يحظ بنفس العدد من الزيارات للبيت الأبيض. لم تنجح محاولات احتواء النظام الإيراني ولن تنجح؛ لأن ذلك يعني نهايته الطبيعية. النظام يتجدد ويقوى مع أي تهديد بالحرب، لأنه يضع الشعب الإيراني أمام تحديات يصورها على أنها بين الكفر والإيمان، بين المستضعفين والمستكبرين، بين الفرس وقوميات تهدد وجودهم، بين الشيعة المظلومين والظلمة. الحرب هي حياة النظام وهي قوته التي لا تقهر، فهل يجب أن ينال ما يتمنى؟ الضغط الجاد على النظام دون حرب هو الذي سيطيح به لا محالة، وعلى أميركا ودول الخليج أن تعمل بجدية على دعم المعارضة الوطنية الإيرانية. إن قطع رأس النظام من الخارج سيبقي الثأر متوثبا داخل مكونات الشعب الإيراني بمختلف أطيافه، بينما سيكون فصل رأس الأفعى عن جسدها بأيدي الشعب الإيراني محل ابتهاج إيراني، وامتنان لك من ساعدهم. علينا ألا نفكر بالحرب مع نظام عدمي يقتات على الحرب لتهدئة الداخل، وإنما المطلوب هو مواصلة العمل على تحريك الداخل الذي لن يكون متوحدا خلف النظام إذا رأى جدية من أميركا ودول الجوار.