يتتبع المستشرق الفرنسي جان جاك بيربي المتخصص في دراسة الشؤون العربية، والاستاذ المحاضر في معهد الدراسات العليا للإدارة الاسلامية، تاريخ وجود اليهود الذين استقروا في اليمن السعيد عندما انتقلت الديانة اليهودية كما يقول لهم من يهود الحجاز أواخر القرن الرابع وفي نهاية القرن الخامس. اتسع نطاق اليهودية اتساعا حقيقيا ملحوظا عند ما أصبحت دين الدولة في ظل "ذو نواس" آخر الملوك الحميريين، اشتعلت بعدها نيران الحرب الأهلية بين أنصار الاديان السماوية والجماعات الحريصة على تقاليدها الوثنية، فاغتنم الاحباش الفرصة بعدما وجدوا البلاد مفككة، متقاتلة، وضعيفة، حتى ظهروا مجددا سنة 525م وقضوا على المملكة اليهودية لآخر عائلة حميرية دامت سيطرتهم فترة من الزمن، انشغلوا خلالها بالسلب والنهب أكثر من البناء والتنظيم، الا انهم كانوا يبذلون جهدا لإقناع اليهود والوثنيين اعتناق ديانتهم المسيحية، ويبدو انه في ظل سيطرتهم، انهار سد مأرب نهائيا فأدت هذه النكبة الكبرى الى هجرة شاملة متعددة النتائج نحو شمال الجزيرة، وشرق افريقيا، والهند، والجزر الهندية، وفي سنة 575 م طرد الفرس الاحباش من الجنوب العربي، واحتلوا اليمن وحضرموت. وبينما كانت الامبراطورية الفارسية تميل الى الضعف، كان الاسلام قد اصبح قوة فعالة صاعدة فتح بعدها حضرموت. وأمام هذه القوة الضاربة تهافتت تلك الديانات الى الدين الاسلامي، ماعدا البقية القليلة جدا من يهود اليمن بدأت تتنامى عاما بعد عام، حتى بلغ تعدادهم نحو خمسين الفا حوالي منتصف القرن الميلادي الماضي، ولقد انتظر اليهود اليمنيون خمسة عشر قرنا بعد انتشار الدعوة الاسلامية، انتظروا طويلا بفارغ الصبر، رغم أن الاسلام منحهم كافة حرياتهم وممارساتهم الدينية، لاستعادة ملكهم الضائع، وعندما يئسوا، هاجر اغلبهم عام 1950 م إلى إسرائيل ضمن مشروع ما يعرف ببساط الريح، وفي هذه الاثناء انقلبت الحياة المهنية بسبب تلك الهجرة، ولأنهم كما يقول بيربي قد برعوا في بعض المهن اليدوية، واصبحوا سادة الفنون المهنية في الجنوب العربي، وبشكل عام كانوا يشكلون عنصرا هاما في اقتصاد اليمن والمقاطعات التسع، كانوا يصنعون ويصلحون ويبيعون آلاف الادوات المفيدة والمستحبة الضرورية أو الكمالية التي اعتاد الانسان أن لا يستغني عنها، مثل النراجيل ذات العنق الطويل، والجنبيات ( الخناجر اليمينية المعروفة )، والاثواب المطرزة متعددة الالوان، والحلي الذهبية الدقيقة الجميلة للإناث، وادوات الطبخ، والاقفال الخشبية الفنية، والابواب التي تقفلها، والاحذية والاحزمة المطرزة، والكثير من الادوات والمشغولات التي لا يجيدها سواهم، مضيفاً انهم ما ان سمعوا ذات يوم بأن المسيح قد اتى، وأن مُلك اسرائيل قد أعتلى عرشه، حتى تركوا أدوات عملهم، وحملوا امتعتهم، ثم نزحوا نحو الجنوب وفي عدن اقامت وقتها الصهيونية جسرا جويا نقلهم الى المكان الذي قيل لهم أن المسيح قد نزل فيه ليحكمه. ثم يذكر الفرنسي جاك بأنه شخصيا كان عند الطرف الآخر للجسر الجوي عندما وصل يهود اليمن لا يلوون على شيء، وبعد سنوات من ذلك التاريخ عام 1954م، درس بدقه حسب قوله مشاكل دمج هؤلاء اليهود العرب في وطنهم الجديد، معتقدا أن اسرائيل عندما استقبلتهم بحفاوة، استفادت كثيرا منهم في هذا المجال. مفيدا أن الإمام حاول عن تعقُّل أن يحتفظ ببعض ارباب المهن المهمة حتى يعلموا المسلمين مهنهم قبل السماح لهم بالخروج، ولكن ذلك لم يتحقق. وبعد هجرة يهود اليمن، غابت الادوات التي كانوا يصنعونها من الاسواق، وارتفعت اسعارها ارتفاعا جنونيا. واختفت حلاهم الفضية المشبكة بدقة فائقة، ومطرزاتهم الناعمة المذهلة، وزخارفهم ونقشوهم كلها من أسواق صنعاء، لتظهر في أسواق اسرائيل. كان هؤلاء اليهود العرب وكما تذكر بعض التقارير قد واجهتم عقبات كثيرة، بدأت باختفاء حوالي الف طفل اخذوا الى مصحات، ومحاجر صحية، عند قدومهم بحجة معالجتهم من بعض الامراض، ثم لم يعودوا قيل لهم بعدها بأنهم قد توفي اغلبهم مع انهم لم يتسلموا جنائزهم، بالإضافة الى النظرة الدونية لهؤلاء العرب من قبل اليهود الاوربيي،ن وعقبة أخرى تتمثل في تعدد الزوجات، لمن لديه أكثر من زوجة الذي لا يقره القانون الإسرائيلي. يهود اليمن أثناء نقلهم عام 1950م إلى إسرائيل عروس يمنية من يهود اليمن مع بعض الفتيات