أعلن سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء رئيس اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ عن "إستراتيجية" جديدة لهيئة كبار العلماء ترتكز على ثلاثة محاور علمية وتقنية وإعلامية، مؤكداً ل"الرياض" خلال حديثه في "ندوة الرياض" أن هذه الإستراتيجية الجديدة ستعزز مكانة هيئة كبار العلماء وتحقق الأهداف التي أنشئت من أجلها هذ المؤسسة الموقرة، كاشفاً عن التوجه إلى فتح حوارات مجتمعية شاملة مع مختلف شرائح المجتمع من خلال "مجلس هيئة كبار العلماء" في قريباً . وحذّر سماحة المفتي خلال الندوة من المخاطر التي تواجهها الأمة عبر مخططات تفتيت الأوطان العربية من قبل الجماعات الإرهابية ك"داعش" و"القاعدة" الذين قال عنهم إننا لانشك أن كبارهم "عملاء" وصغارهم "سفهاء"، مؤكداً سماحته أن المسؤول الأول عن انتشار التطرف في المنطقة هو المسؤول عن نشر الفوضى عبر ميليشياته الطائفية التي تضرب في نسيج الأوطان العربية وتحاول أن تجري تغييراً ديموغرافياً "خبيثاً" لإحداث الفتن وجعل منطقتنا العربية مرتهنة لحروب طائفية وصراعات أهلية.. مشدداً في هذا السياق على أن ارتباطات "داعش" الاستخباراتية لم تعد خافية على أحد. المفتي: نواجه مخاطر تفتيت الأمة.. وارتباطات «داعش» الاستخباراتية لم تعد خافية على أحد وفي الشأن المحلي أكد سماحة المفتي أن الاختلاف بين البشر سُنة كونية وأن أي مجتمع له قضاياه التي يتجادل حولها، ومسائله التي قد يتباين الرأي فيها، مطالباً في تعليقه على سؤال حول الموقف الشرعي من الصراعات الفكرية بين فئات المجتمع، بأن تكون صدورنا رحبة دائماً للآراء والحوارات وأن نقبل الاختلاف مادام أنه لايمس الثوابت الدينية والوطنية، محذراً في هذا الصدد من "الحزبية" والانتماء الحزبي داخل المجتمع، مؤكداً هنا أن "التحزّب" لايجوز شرعاً، وأنه فرقة وشتات، ويقسّم المجتمع إلى دويلات داخل دولة، وأنه لامجال في بلادنا لأي أحزاب سياسية أو فكرية، مشيراً إلى أن من ينتقص من لحمتنا الوطنية بنشر الأفكار الحزبية يجب أن يؤخذ على يده ولاتقبل هوادة في ذلك. وشدد سماحته على الوسطية والاعتدال مؤكداً أنها كمال وجمال الإسلام، وتتعزز باتصال الشباب بالعلماء الثقات، كما تناول آل الشيخ في معرض حديثه عددا من القضايا المهمة للشباب والرأي فيها. الإفتاء في المملكة منضبط وما يخرج عن السياق محدود.. ولو التزم كل أحد بألا يتكلم إلا بما يعلم لانتهت كثير من الإشكالات الدينية والدنيوية وفي شأن الفتوى، أفاد سماحته أن الافتاء في المملكة "منضبط" وأن مايخرج عن السياق محدود وفي نطاقه الطبيعي، مؤكداً أنه لو التزم كل أحد بألا يتكلم إلا بمايعلم لانتهت كثير من الإشكالات الدينية والدنيوية. وتطرق رئيس هيئة كبار العلماء في الندوة للصراعات الفكرية، والتكفير، ورؤيته لمناهج التعليم، ومايحدث من نقاشات وجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، وسبل مواجهة تسلل الفكر الداعشي داخل الاسرة نتيجة التقنية الحديثه، كما تحدث سماحته عن طريقة مناصحة ولاة الأمر، وضرورة حفظ مقام ولي الأمر كما جاءت بذلك الشريعة واتفقت عليه كلمة العلماء والعقلاء، مشيراً إلى مسؤولية الدولة في تهيئة المناخات المناسبة للشباب لممارسة أدوارهم في خدمة المجتمع بعيداً عن الأعمال الإرتجالية. حفظ مقام ولي الأمر جاءت به الشريعة واتفقت عليه كلمة العلماء والعقلاء.. ومن حقوقه النصيحة في السر ووجه سماحة المفتي عددا من الرسائل المهمة للشعوب العربية في مواجهة المخاطر الأمنية والمشاكل التي تتعرض لها دولهم مشدداً على أهمية "الوعي" في مواجهة ذلك، كما تناول سماحته في حديث شامل وصريح العديد من القضايا المحلية والإقليمية والدولية المهمة في الجوانب الدينية والأمنية والفكرية والمجتمعية، وفيما يلي نص الندوة:واقع الفتوى في البداية، أكد سماحة المفتي في إجابته على سؤال حول وجهة نظر سماحته تجاه واقع الفتوى في المملكة وفي العالم الإسلامي، أكد سماحته أن الفتوى في الدين الإسلامي لها شأنها الكبير، إذ هي إفادة السائل عن حكم الله في واقعته ومسألته التي يسأل عنها، وقد تولاها الله عز وجل في كتابه الكريم وتولاها النبي صلى الله عليه وسلم في سننه النبوية، وأمر الله سبحانه بسؤال أهل الذكر عند عدم العلم، وعندما قال الله عز وجل:(يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ) النساء: 176 ختم الآية بقوله:( يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) النساء: 176 فنبه على أنه لا يجوز أن يتولى الإفتاء إلا من كان عالماً بالجواب، ولو التزم كل أحد ألا يتكلم إلا بما يعلم لانتهت كثير من الإشكالات؛ ليس ذلك في الأمور الدينية بل حتى في الأمور الدنيوية.. ومن هنا انطلق للجواب عن سؤالك: فإن الإفتاء في المملكة له مرجعيته ومؤسسته أما مرجعيته فكتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما مؤسسته فهيئة كبار العلماء والرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، وقد نصت على ذلك المادة الخامسة والأربعون من النظام الأساسي للحكم، ووفق هذا الترتيب فإن الإفتاء في المملكة منضبط ولله الحمد، وإن حصلت بعض الواقعات التي تخرج عن هذا السياق فإنها محدودة وفي نطاق الطبيعي، وفي العالم الإسلامي نتطلع دائماً إلى الاطلاع على واقع المؤسسات الفتوية، ونتبادل معهم الخبرات في ذلك، وقد زارنا في الفترة الأخيرة عدد من ممثلي المؤسسات الفتوية في العالم العربي والإسلامي، وقد أكدنا على أهمية مدِّ الجسور وبناء علاقات التعاون بين مراكز العلم والإفتاء في العالم الإسلامي بما يسهم في تعزيز ونشر الصورة المشرقة للإسلام بوسطيته واعتداله وسماحته ونشر محاسنه والدعوة إليه بالتي هي أحسن. التعامل مع النوازل وفي سؤال لسماحته: ما كلمتكم تجاه فقه التعامل مع النوازل ؟ أجاب: النوازل في الاصطلاح المعاصر يقصد بها: الوقائع الجديدة التي لا نصَّ فيها ولم يسبق فيها اجتهاد، ومن ثم فالفتوى فيها لا يستطيعها المتوسطون من أهل العلم بل لا بد من عالم راسخ قادر على الاجتهاد والاستنباط، والأسلم والأحكم أيضاً أن تكون الفتوى في النوازل من مجموعة من العلماء يتحاورون ويتناقشون ويكشف بعضهم للبعض ما قد يخفى عن الآخر، وهذا ما تحققه المجامع العلمية وفي طليعتها هيئة كبار العلماء بالمملكة والمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وغيرهما من مجامع الفقه والفتوى . تعزيز الوسطية ونبذ التطرف وتساءل الزميل عبدالله الحسني عن سبل تعزيز الوسطية ونبذ التطرف ونشر القيم داخل المجتمع.. حيث يشغل المجتمعات في البلدان الإسلامية لا سيما في الظروف الراهنة؛ ما تعليقكم سماحتكم؟ وعلق سماحة الشيخ: في الحقيقة ليس هو حديثا يشغل المجتمعات في البلدان الإسلامية فحسب؛ بل هو حديث الدين نفسه، فالله عز وجل قال عن رسالة الإسلام الخالدة:( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) الأنبياء: 107 والنبي صلى الله عليه وسلم، قال عن المقصد من بعثته:" إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق". ولا شك أن الوسطية نابعة من الدين الإسلامي التي هي السماحة، وهي من أوصاف هذا الدين الحنيف، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة "، وكان للسماحة أثر عظيم في انتشار الإسلام ودوامه، وحقيقة السماحة: التوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، والوسطية بهذا المعنى هي منبع الكمالات، وقد قال الله تعالى في وصف هذه الأمة:(وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) البقرة: 143 وعلى ضوء ذلك: تتجلى حقيقة الوسطية والاعتدال، وأنها كمال وجمال هذا الإسلام، وأن أفكار الغلو والتشدد والإرهاب الذي يفسد في الأرض ليس من الإسلام في شيء بل هو عدو الإسلام الأول، ومن هنا يمكن أن نشرع في الحديث عن سبل تعزيز الوسطية، فمن أهم هذه السبل أن يتضلع المسلمون عموماً والشباب خصوصاً علماً ومعرفة بهذا الدين القويم قبل أن يعرفوا به غيرهم، ليس ذلك في المسائل والأحكام فحسب، وإنما أيضاً في مقاصده العظيمة الواسعة التي من أجلها شرع وعليها أنزل، ومن أعظم هذه المقاصد صلاح أحوال الناس في أمر دينهم ودنياهم، وعمارة الأرض، وحفظ نظام التعايش فيما بينهم بما يوحد صفهم ويقوي لحمتهم ويحقق التعاون والتآلف فيما بينهم، وكذلك من أسباب تعزيز الوسطية: اتصال الشباب بالعلماء الثقات الذين يشرحون لهم المسائل الشرعية ويجيبونهم على التساؤلات والإشكالات وهذا السبب من أعظم الأسباب، فإن الخوارج الذين خرجوا في زمن الصحابة والتابعين كان خروجهم وتبنيهم لتكفير المسلمين بسبب سوء فهمهم للقرآن الكريم، ولاشك أن للأسرة والمجتمع بمؤسساته دورا كبيرا في تعزيز فكر الوسطية في أذهان الأجيال، ويصاحب ذلك أيضاً تعزيز القيم الإسلامية والأخلاق النبيلة في المجتمع ونفوس أفراده لا سيما مع انفتاح العالم وعولمة الثقافات والأخلاق؛ فأصبح من الضرورة بمكان تعزيز الرقابة الذاتية التي تشعر الإنسان صغيراً كان أو كبيراً أنه مسؤول عن أفعاله أمام ربه أولاً ثم أمام نفسه ومجتمعه، وذلك له أثره الكبير في تماسك المجتمعات وثبات المبادئ الذي يؤثر حتى على استتباب الأمن واستقرار أحوال الناس، ولذلك أطلقنا في هيئة كبار العلماء برنامج القيم العليا للإسلام ونبذه التطرف والإرهاب والذي شارك فيه أعضاء الهيئة وأمينها العام وشملت زيارتهم مناطق المملكة وقد تجاوزت هذه الزيارات خمسين زيارة وهو الآن في مرحلته الرابعة. مناصحة ولاة الأمر في سؤال للزميل صالح الحماد حول منهج السلف في مناصحة ولاة الأمر.. والطريقة لتقديم النصح والملاحظات للمسؤولين؟ قال الشيخ: إن من نعمة الله عز وجل أن يجتمع شمل الناس على إمام واحد يرعى مصالحهم ويسمعون له ويطيعون في المعروف، وقد جاءت نصوص الكتاب والسنة بذلك ولا زال العلماء يقررونه حتى قال ابن تيمية:(يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض). وحفظ مقام ولي الأمر مما جاءت به الشريعة واتفقت عليه كلمة العلماء والعقلاء، ففي ذلك حفظ للمصالح الدينية والدنيوية، قال القرافي المالكي:( المصالح والمقاصد الشرعية لا تحصل إلا بعظمة الولاة في نفوس الناس). وقال برهان الدين البقاعي:(مصالح الدين من غير هيبة السلطان لا يمكن رعايتها). وذلك لما لحفظ مقامهم من مصالح تعود على الجميع بالألفة والقوة والمنعة، ولذلك كان السلف يحرصون على جمع القلوب على ولاتهم ويَحْذَرون غاية الحذر من أن يتسببوا في التنفير منهم، قال ابن جماعة الشافعي في بيان حقوق ولي الأمر: الحق التاسع، رد القلوب النافرة عنه إليه، وجمع محبة الناس عليه، لما في ذلك من مصالح الأمة، وانتظام أمر الملَّة. وقال المناوي الحنفي في ذكر ما يجب لولي الأمر: وذلك بمعاونتهم على الحق.. وجمع الكلمة عليهم، ورد القلوب النافرة إليهم، ومن هنا وقد تقرر ضرورة أن يكون للناس إمام يسوسهم، وأهمية أن يحفظ مقامه وتحترم مكانته، مع ما تقرر أن من حقوقه النصيحة له فإن من أهم المهمات والواجبات النصح لولي الأمر، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ثلاثٌ لا يغلُّ عليهن قلب مسلم إخلاص العمل لله عز وجل، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين ". وأضاف: نصح ولي الأمر يبدأ من إتقان الإنسان ما اؤتمن عليه من ولي الأمر سواء كان ذلك وظيفة أو مرفقاً عاماً أو أي أمر راجع إلى الدولة، ولو أن المواطنين في كل دولة عربية وإسلامية قاموا بهذا الواجب لرأينا كثيراً من السلبيات تتلاشى، ولرأينا كثيراً من الإيجابيات تتعاظم وتتوسع، أيضاً من نصيحة ولي الأمر أن تبلغه أو نائبه من مسؤول أو مدير أو غيرهما عبر القنوات الرسمية المتاحة الخطأ الذي تقف عليه حتى يقوَّم ويسدد ونصيحة ولي الأمر تكون سراً بين الناصح وولي الأمر ولا تكون على المنابر أو في الأماكن العامة، كما دلت على ذلك السنة وتقريرات العلماء، قيل لأسامه بن زيد: " ألا تدخل على عثمان فتكلِّمه؟ فقال: ألا ترون أني لا أكلمه إلا أسمعكم؟ والله لقد كلمته فيما بيني وبينه، ما دون أن أفتح أمراً لا أحب أن أكون أول من فتحه". قال ابن بطال: يريد لا أكون أول من يفتح باب الإنكار على الأئمة علانية، فيكون باب في القيام على أئمة المسلمين، فتفترق الكلمة، وتتشتت الجماعة، كما كان بعد ذلك من تفرق الكلمة بمواجهة عثمان بالنكير، ثم عرفهم أنه لا يداهن أميراً أبداً، بل ينصح له في السر جهده ". مسؤولية الشباب وفي مداخلة للزميل محمد الغنيم حول مسؤولية الشباب تجاه دينهم ووطنهم في هذه المرحلة، وكيفية استشعار المجتمع لمسؤولياتهم تجاه الحفاظ على الأمن . الدولة مسؤولة عن تهيئة المناخات للشباب لممارسة دورهم في خدمة المجتمع.. ولا مكان للأعمال الارتجالية قال سماحته: هذا المحور الذي أردت منا أن ندير الحديث عنه؛ يتعلق بمسؤولية الشباب تجاه دينهم ووطنهم على سبيل العموم، ويتعلق أيضاً بمسؤوليتهم تجاه الحفاظ على الأمن بالذات، وهما موضوعان كما ترى في غاية الأهمية.. أما بالنسبة لمسؤولية الشاب تجاه دينه ووطنه، وهذا ليس حديثاً للشباب السعودي فقط، بل هو حديث لكل شاب في كل وطن عربي وإسلامي حول الواجب عليه تجاه دينه ووطنه الذي ينتسب إليه، فلا شك أن المسؤولية عظيمة، وهي تنطلق من مسؤولية المسلم الذي تعبّده الله بأن يكون له رسالة يؤديها في هذه الحياة، وهذه المسؤولية متعددة المجالات والصور، ونستطيع أن نعدد من ذلك شيئاً كثيراً، لكن ليست هذه هي النقطة المهمة في هذا الموضوع لأن ذلك معروف وهو من نوع الحديث المكرور .. النقطة المهمة في نظرنا هي: كيف نوفر البيئة المناسبة لأن يمارس هذا الشاب أو ذاك مسؤوليتهم تجاه مجتمعاتهم وأوطانهم في مناخ سليم وآمن ومثمر.. نحن ندرك أننا في عالم اليوم نعيش في مجتمعات ودول وأوطان منتظمة ووفق ترتيبات وتراتيب مقررة، ومن ثم فإن الأعمال الارتجالية لا مكان لها في عالم اليوم بل قد يكون ضررها أكثر من فائدتها، ومن ثم فإن من مسؤوليات الدولة بمؤسساتها العلمية والتعليمية والاجتماعية أن تهيئ المناخات المناسبة لأن يمارس الشباب دورهم الحيوي في خدمة مجتمعاتهم، ومن أهم المجالات التي يستطيع الشباب أن يمارسوا دورهم هو " العمل التطوعي" فبالإضافة إلى أن العمل التطوعي قيمة إسلامية متفق عليها ومأجور عليها صاحبها؛ فهي أيضاً قيمة حضارية تساهم بدور فاعل في انتظام المجتمعات واستقرارها بل وفي ازدهارها.. وعندما نتكلم عن العمل التطوعي فإنه يسبق إلى أذهان الكثير العمل الإغاثي، بيد أن العمل التطوعي مجاله واسع بحيث لا يمكن أن نحدِّد مجالاته وصوره، وكلما كان العمل التطوعي منظماً ومرتباً وتحت إشراف الدولة التي تضمن بإذن الله أن يكون في مساره الصحيح؛ كان ذلك عائداً على الجميع بالفائدة والخير على المجتمع من جهة ما يقدمه من خدمات، وعلى الشباب أنفسهم بأن يشعروا بدورهم، ويشعروا أنهم قدموا شيئاً لدينهم ووطنهم، ويستثمروا طاقاتهم بل ويطوروها ويكتسبوا خبرات جديدة، وكما أن العمل التطوعي مهم في أوقات الازدهار، فهو مهم أيضاً في أوقات الأزمات لا قدر الله.. أما الجزء الآخر من مسؤولية الشباب تجاه الأمن فلا شك أن الحديث العام السابق داخل فيه ولكن نضيف هنا: بأنه ينبغي للشاب أن يستشعر الأخطار التي تواجه العالم والمنطقة العربية على وجه الخصوص، وأهم سبب لأن يستشعر الشاب دوره تجاه الأمن هو"الوعي"، فإن كثيراً من الأوطان وقعت في دوامة من المشاكل والمخاطر الأمنية بسبب الجهل وضعف مستوى الوعي في المجتمع عموماً وعند الشباب على وجه الخصوص، وعلى العكس فإن بعض الأوطان تجاوزت ما تواجه من تحديات ومخاطر بسبب إرتفاع مستوى الوعي لدى أفرادها، فنحن نواجه مخاطر تجاه تفتيت الأوطان العربية، ونواجه مخاطر تجاه نشاط الجماعات الإرهابية ك"داعش" و"القاعدة" الذين لا نشك أن كبارهم عملاء وصغارهم سفهاء، ونواجه مخاطر "العبثية"، التي تجعل الشاب يعيش مرحلة من التيه لا هدف له ولا رسالة في هذه الحياة، وهذه العبثية غريبة على المجتمعات المسلمة عموماً ومجتمعنا السعودي والخليجي على وجه الخصوص وهي نتيجة بعض الأفكار والفلسفات الوافدة.. وعموماً نواجه كثيرا من المشاكل الفكرية والسلوكية التي تتعلق بالشباب، ولها تأثير على أمن الأوطان عند تحولها إلى ظواهر اجتماعية، وكما قلت إن رفع مستوى الوعي هو أنجح علاج في نظرنا، ورفع مستوى الوعي هذا يساهم في صناعته المؤسسات العلمية ومراكز الحوار ولا شك أن المؤسسات ذات الإرشاد والإشراف الديني لها دور أساس في ذلك. استهداف الشباب وتداخل الزميل خالد العويد متسائلا عن أسباب استهداف الشباب السعودي أكثر من غيرهم من قبل التنظيمات المتطرفة.. وأين يكمن الخلل، والحلول في ذلك؟ وأوضح سماحة المفتي قائلا: الشباب السعودي يتميز بعدد من المزايا، وهذا ليس لأن السعودي يعتبر جنساً خاصاً من البشر، ولكن لأن كل مجتمع ذي وحدة دينية وسياسية وجغرافية وتاريخية لا بُدَّ مع الوقت أن تتوفر فيه بعض الخصائص التي تستطيع أن تعرف من خلالها انتسابه إلى أي دولة أو قُطر، فالسعودي يتميز في الغالب بسلامة فطرته، فإن الجزيرة العربية على وجه العموم لم تعرف حقب الاستعمار التي خلفت وراءها تيارات فكرية، كما يتميز السعودي بطبعه المضياف الذي يجعله يأنس بالناس على وجه العموم ويرحب بهم، وله ميزة مهمة وهي إنسجامه مع قيادته وحكامه الذين يرى فيهم أنهم جزء من النسيج الاجتماعي غير وافد عليه ولا أجنبي عنه.. هذه المزايا هي بمثابة التحديات لأعداء هذه المملكة، فهم يعملون على تحطيمها ويسعون لإفساد فطر الشباب فكراً وسلوكاً، ويسعون لإفساد طبعه المضياف والمرحب بالناس ولو بالدعايات الكاذبة التي تصور الشباب السعودي بأنه جاهز ل"الدعشنة"، ويحاولون أيضاً أن يفرقوا مابين الشباب وولاة الأمر، وهم بزعمهم إذا تحقق لهم ذلك فإن لهذا الشيء دوره الكبير في نشر التطرف عبر العالم الإسلامي كله الذي سيعطل نموه ويشتت تماسكه ويعيد الاستعمار إليه وإن بأسلوب آخر، نحن نستهجن تلك الآراء والكلمات التي تقول إن الشباب السعودي أكثر قابلية من غيره لأفكار التطرف بل هو من أبعد الشباب في العالم كله نتيجة تربيته الدينية والاجتماعية، أما حدوث ذلك عند بعض الشباب فهو نتيجة طبيعية في منطقتنا العربية التي انتشرت فيها الفوضى، فإن الفوضى إذا انتشرت في أي منطقة حتى ولو كانت في الذروة من الحضارة، فإنها تهيئ المناخ المناسب لانتشار جماعات التطرف ومن ثم تأثر بعض الناشئة، ولذلك فإن المسؤول الأول عن انتشار التطرف هو المسؤول عن نشر الفوضى خاصة تلك التي تستخدم المليشيات الطائفية التي تضرب في نسيج الأوطان العربية وتحاول أن تجري تغييراً ديموغرافياً خبيثاً لإحداث الفتن بأن تكون منطقتنا العربية دوماً مرتهنة لحروب طائفية وصراعات أهلية.. والحلول هو في مضاعفة الجهود من كافة المؤسسات لتوعية شبابنا من جهة، وإشغالهم بالمفيد من جهة آخرى، كما أن الانخراط في التنمية الاقتصادية على مستوى الأوطان العربية والإسلامية كافة سيكون له دور فاعل في أن يتجاوز الزمن هذه الأفكار المتطرفة ولتصبح من التاريخ ليس إلا. استراتيجية الهيئة وفي سؤال عن سبل تعزيز العلاقة بين العلماء والشباب، وإستراتيجية الهيئة في التواصل مع الشباب، وربطهم بالعلماء المعتبرين؟ قال سماحته: هذا المحور مهم، لأنه يركز على سبب من أهمِّ الأسباب لحماية الشباب والناشئة من الأفكار الهدامة، مع تعزيز مكانتهم في خدمة دينهم وبلادهم، والمؤسسات التي تعنى بتعزيز هذه العلاقة متعددة وليست هيئة كبار العلماء فحسب، نحن نعرف أن هيئة كبار العلماء تتألف من واحد وعشرين عضواً، وهؤلاء الأعضاء لهم دروسهم ومحاضراتهم، وبعضهم يترأسون جهات ومؤسسات ومن خلالها يكون لهم أثر فاعل في المجتمع عموماً في أوساط الشباب خصوصاً، وقد كان ينظر إلى مدى تأثير هيئة كبار العلماء بمقدار تأثير أعضائها، بيد أن الاستراتيجية التي وجهنا الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالعمل عليها واستهدافها هو أن يكون للمؤسسة نفسها ببرامجها التأثير وذلك عبر عدد من البرامج التي تنفذها الأمانة العام لهيئة كبار العلماء، وقد كان من ذلك وجهنا ب "مجلس لهيئة كبار العلماء" لإجراء حوارات مع مختلف شرائح المجتمع برنامج القيم العليا للإسلام ونبذه التطرف والإرهاب والذي نفذ عبر ثلاث مراحل وهو الآن في مرحلته الرابعة، وأيضاً برنامج تطبيقات المنهج الوسطي في التعليم والذي نفذ منه دورة في جدة وفي عسير وفي الدمام وفي حفر الباطن، ومن البرامج الجديدة برنامج مجلس هيئة كبار العلماء ويستهدف إجراء حوارات مع شرائح المجتمع كافة بمختلف مستوياتهم العلمية، والعمرية، والوظيفية، وبرنامج المجلس هذا في طور إنهاء بيئته التقنية، بالإضافة إلى تدشين مواقع الكترونية وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي والتي لمسنا أثرها الإيجابي، ولا زالت تعمل الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء على بعض الرؤى التي تجد دعمنا المستمر. لقاءات المبتعثين وحول تواصل الهيئة مع المبتعثين لبيان الكثير من الأمور والمسائل الفقهية والشرعية الدقيقة في ظل احتكاكهم بثقافات ومجتمعات غربية وربما يتأثر البعض بما يسمعه ويراه من مخالفات.. أجاب سماحة المفتي: هذا الأمر يهمنا ويعنينا كثيراً وهو جزء من مسؤوليتنا تجاه أولادنا، ولذلك الأسئلة التي ترد إلى اللجنة الدائمة من المبتعثين نبادر بالجواب عنها وإرسالها إلى السائل، كما أننا نفذنا عدداً من اللقاءات بالمبتعثين عبر البث المباشر، كما أن عدداً من أعضاء هيئة كبار العلماء حاضر لدى المبتعثين في أماكن وجودهم لما للقاء المباشر من أثر كبير كما أننا نفيد الملحقيات الدينية والثقافية بسفارات المملكة بأننا نرحب بأي تعاون يطلب منا في خدمة أولادنا المبتعثين. التطوير والهيكلة ومحاور الاستراتيجية وعن استراتيجية ورؤية هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة المقبلة على صعيد التطوير والهيكلة والتحديث ومواكبة المستجدات والقضايا والتحديات المجتمعية والفكرية والأمنية والإقليمية، أوضح سماحة الشيخ: وجهنا الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بصناعة استراتيجية تعزز مكانة هيئة كبار العلماء والإفتاء وتحقق الأهداف التي أنشئت من أجلها هذه المؤسسة الموقرة، وقد قدمت لجنة مكونة من عدد من أعضاء هيئة كبار العلماء وبرئاسة الأمين العام للهيئة تقريرها حول ذلك، وهي تدور على ثلاثة محاور: المحور العلمي، والمحور التقني، والمحور الإعلامي، ولا شك أن هذه المحاور الثلاثة إذا عملنا عليها، وركزنا جهودنا فيها، فإن ذلك سيؤدي إلى أكثر مما نصبو إليه بإذن الله تعالى. اللجنة الدائمة للإفتاء وطرح الزميل محمد الغنيم سؤالاً حول إمكانية تطوير اللجنة الدائمة للإفتاء واستثمار المكانة العلمية والشرعية والفكرية للعاملين فيها لتكون معهداً أومركزاً ضخماً للبحوث والدراسات الشرعية والفقهية على مستوى عالمي، وحول ذلك قال سماحة الشيخ: اللجنة الدائمة للفتوى كما تعلم تختص بالإجابة على الأسئلة الفردية، ومنذ إنشائها وإلى الآن تكوَّن لدينا مجموع ضخم من الفتاوى بعضها يتعلق بأسئلة مكررة، وأخرى تتعلق بمستجدات، وفتاوى اللجنة الدائمة تتميز بالاختصار واختيار القول الراجح مع ذكر دليله، ولذلك فهي نافعة لعموم الناس، كما أنها نافعة لطلاب العلم والمختصين، وتعتبر ولله الحمد من أوثق فتاوى المجامع العلمية والدور الإفتائية، ويحرص المسلمون من البلدان كافة على إقتنائها ونحن الآن بصدد إخراج مجموعة جديدة منها، أما ما يتعلق بإنشاء مركز علمي، فهو من ضمن الأفكار التي ذكرت أن الأمانة العامة ضمّنتها الاستراتيجية المذكورة، وسيكون لهذا المركز عند اعتماده اهتمام بالمسائل الطبية والمالية وغير ذلك من المجالات التي تكثر فيها المستجدات، حيث إن هذا المركز صمم من عدد من الدوائر البحثية، والذي اعتمد حالياً في التنظيم الإداري للأمانة العامة هو إدارة للبحوث والدراسات والتي تعمل على إعداد البحوث العلمية والدراسات البحثية وتعاقدت في فترة قصيرة مع أكثر من مائة باحث أكاديمي متخصص من مختلف الجامعات السعودية، وقد كان لذلك أثره الكبير في إنجاز أعمال هيئة كبار العلماء فالأعمال أو الموضوعات التي تحال إلى هيئة كبار العلماء تنهى في دورة أو دورتين بدون تأجيل مع قيامنا بدراستها الدراسة المتأنية، حيث يمر الموضوع الذي يحال إلى الهيئة بعدد من المراحل ابتداء من مرحلة إعداد البحوث العلمية المحكمة، ثم استدعاء الخبراء الذين يقدمون ملحوظاتهم ورؤاهم حول الموضوع، إلى استدعاء أحياناً رئيس الجهة ليشرح لأعضاء الهيئة الموضوع وحاجة مؤسسته إليه إلى غير ذلك مما يضمن بإذن الله تعالى أن تصدر الفتوى أو القرار من هيئة كبار العلماء وهي مرتاحة تماماً لمضمونه وموافقته للصواب، كما أننا ومن ضمن الأدوات لتعزيز دور هيئة كبار العلماء البحثي والإعلامي وجهنا الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالإشراف على مجلة البحوث الإسلامية لتطويرها في جوانبها الفنية والعلمية واستكتاب باحثين في الموضوعات المستجدة مع دعوة الباحثين المتميزين للكتابة في المجلة ووضع تطبيقات ذكية وتخصيص حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي للمجلة ومن ضمن التجديد المذكور للمجلة وسعنا الهيئة الاستشارية لتمثل بالإضافة إلى عدد من أعضاء هيئة كبار العلماء شخصيات إسلامية مرموقة على مستوى مفتين ووزراء للشؤون الدينية ومستشارين في بلدانهم، وقد أبدوا ترحيبهم لما تحظى به هيئة كبار العلماء بالمملكة ولله الحمد من مكانة مرموقة في العالم الإسلامي. الاتفاقية مع وزارة التعليم وفي سؤال حول الاتفاقية التي وقعت مؤخراً بين هيئة كبار العلماء ووزارة التعليم للتعاون المشترك، ودلالاتها، وأهميتها، وآليات تطبيقها؟ قال سماحته: الفكرة الرئيسة التي تصدرت الاتفاقية المذكورة هي أن تكون هيئة كبار العلماء المرجع الاستشاري والمحكم لمنتجات وبرامج وزارة التعليم في جانبها الشرعي، وقد وضعنا آليات لتفعيل هذه المذكرة وسمينا ضابط إتصال بين الطرفين وسيكون لها بإذن الله مردود جيد. وحول رأي سماحته في ما ينبغي أن يتوفر في مناهج التعليم بحيث تكون بعيدة عن المهددات والمخاطر الواجب تنبيه الجيل عليها، والتركيز على العلوم والقيم التي تسهم في بناء جيل قوي متسلح بالعقيدة الصافية الصحيحة والمنهج الوسطي والمعارف الأخرى. ثلاث ركائز يجب أن تحتويها مناهج التعليم.. وهذه نصيحتي للمغرّدين ومستخدمي وسائل التواصل قال سماحته: مناهج التعليم ينبغي أن تحتوي على ركائز ثلاث، الركيزة الأولى: العقيدة الصحيحة التي تضمن بإذن الله لفكر الطالب والمتلقي الاستقامة والاعتدال، الركيزة الثانية: أحكام العبادات والمعاملات حتى يعرف الطالب كيف يعبد ربه. الركيزة الثالثة: المعارف والمهارات التي تجعله يساهم في بناء مجتمعه بل وتقديم ما ينفع البشرية عموماً. المسؤول الأول عن انتشار «التطرف» هو المسؤول عن نشر «الفوضى» عبر ميليشياته الطائفية الاختلاف داخل المجتمع مقبول مادام لم يمسّ الثوابت الدينية والوطنية تداخل الزميل الغنيم بسؤال: سماحة الشيخ، يتصل بالسؤال السابق، سؤال عن التكفير والتطرف والصراعات الفكرية بين فئات المجتمع والموقف الشرعي منها؟ وعلق سماحته قائلاً: دعنا أولاً نتحدث عن الصراعات الفكرية قبل الحديث عن التكفير والتطرف، ذلك أنه في أغلب الحالات التكفير والتطرف ناتج عن هذه الصراعات الفكرية، ودعنا أيضاً نحدد الحديث عن الصراعات الفكرية داخل المملكة، ولذلك نضع الحقائق التالية، أولاً: المملكة دولة تأسست على كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومنهجها الإسلام ورعاياها أمام الحق وأمام حقوقهم وواجباتهم سواء بلا تفرقة، والتاريخ خير شاهد على هذا المنهج القويم منذ عهد الملك المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله وإلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أيده الله، ثانياً: الاختلاف بين البشر سنة كونية، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم الاختلاف بين الصحابة في بعض المسائل بل وترك لكل اجتهاده كما في قصة:» صلوا في بني قريظة» وأدار بينهم الحوار واختار أحد القولين في بعض المسائل التي تتعلق بها السياسة العامة كما في خروجهم إلى أحد، ثالثاً: أي مجتمع بشري؛ فهو مجتمع حيوي؛ بمعنى له قضاياه التي يتجادل حولها، وله مسائله التي قد يتباين الرأي فيها، وعلينا أن تكون صدورنا رحبة للآراء والحوارات التي هي في النهاية تبين الرأي الأصوب والأقرب إلى الحق مع تمسكنا بالأدب وحسن القصد وسؤال الله التوفيق والهداية، رابعاً: وعلى ذلك وهذه هي النتيجة المهمة: أن نقبل الاختلاف ما دام أنه لا يمس الثوابت الدينية والوطنية؛ فإذا وصل الأمر إلى أن يمس ثابتاً من ثوابت الدين أو يمس ثابتاً من ثوابت الوطن الواحد المتلاحم الذين يدين بالولاء لدينه ثم لولاة أمره فهنا لا يقبل أي رأي ولا كرامة، فلو عملنا على هذه النقاط لاكتشفنا أن كثيراً من الصراعات لا مبرر لها.. واستطرد سماحته: وبالنسبة لسؤالك عن التطرف الذي هو الغلو والتكفير فهما انحراف فكري حذرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت أول بدعة حدثت هي بدعة الخوارج التي كفروا بسببها المسلمين واستحلوا دماءهم، والعجيب أن هذه البدعة والتي هي فتنة عظيمة تتجدد عبر الأزمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عنهم: كلما خرج منهم قرن قطع، كلما خرج منهم قرن قطع حتى عدَّها زيادة على عشر مرات- حتى يخرج الدجال في بقيتهم، ولذلك يجب - دائماً أن نكون متيقظين لهذا الفكر المنحرف بكشف شبهة والتحذير منه وتنفيذ الأحكام الشرعية بحق من ينتسب إلى فكر الخوارج وينفذ مخططاتهم سواء بالدعاية لهم، أو التستر عليهم أو تنفيذ جرائمهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:»لعن الله من آوى محدثاً». «التحزّب» لايجوز شرعاً لأنه فرقة وشتات.. ولا مجال في بلادنا لأي أحزاب سياسية أو فكرية شدد سماحة المفتي في إجابته على سؤال للزميل محمد الغنيم عن التحزّب والانتماءات الحزبية التي تفرق المجتمع وتصنفه لفئات وطوائف، ومدى خطورتها وإنعكاساتها والموقف منها، شدد سماحته أن التحزب والانتماء الحزبي لا يجوز شرعاً، وقال: التحزب والانتماء الحزبي لا يجوز شرعاً، لأن المسلم مأمور أن يكون مع جماعة المسلمين وبيعته لولي أمر المسلمين ونحن في المملكة منَّ الله تعالى علينا بأن قامت هذه الدولة المباركة على كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وولي الأمر فيها يبايع بيعة شرعية على كتاب الله وسنة رسوله، ولذلك فلا مجال فيها لأحزاب سياسية أو فكرية، ولا شك أنه عندما يعيش المجتمع حالة من الاستقطاب الحزبي فإن ذلك فرقة وشتات ودويلات داخل دولة وقد حذرنا الله تعالى من ذلك فقال سبحانه: ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء) الأنعام: 159 وقال سبحانه:(واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) آل عمران: 103 ونحن في المملكة نعيش - ولله الحمد- لحمة وطنية وأخوة دينية وهذه النعمة يجب أن نحافظ عليها؛ وكل من يحاول أن ينتقص منها بنشر بعض الأفكار الحزبية يجب أن يؤخذ على يده ولا تقبل هوادة في ذلك. كبار داعش والقاعدة «عملاء» وصغارهم «سفهاء».. والفكر الداعشي ينتشر في الأوساط المنعزلة ! في سؤال للزميل الغنيم عن فكر داعش وتغلغله داخل الأسرة حتى وصل لحد أن الابن يقتل والده ووالدته.. وواجب المجتمع والعلماء تجاه مواجهة هذا الفكر وكشف ضلاله؟ أجاب سماحة المفتي: بالنسبة لفكر داعش فالكلام يطول عنه، ذلك أنه يحيط به عدة أشياء، فهو من جهة ذات الفكر يصنف ضمن أفكار الخوارج التي تخرج على جماعة المسلمين وإمامهم وتكفر وتقتل وتفجر، وهي كتنظيم يعتبر شكلاً متطوراً من القاعدة، وهي كعمل سياسي ليس هدفه فعلاً إقامة خلافة وإنما على الضد من ذلك هدفه تفتيت أوطان المسلمين وإشاعة الحروب الأهلية فيما بينهم، والواقع خير شاهد، ومن ثم فارتباطاتها الاستخباراتية لم تعد خافية على أحد.. وبالنسبة لسؤالك كيف تغلغل داخل الأسرة، فأنا أقترح عبارة: كيف تسلل داخل الأسرة؛ ذلك أن الفكر الداعشي هذا لا يستوطن الأسرة وإنما يتسلل على حين غفلة إلى أحد الأبناء وربما البنات وذلك نتيجة التقنية الحديثة التي أوجدت لكل شخص محيطه الخاص الذي يختاره بنفسه، ومن ثم فإن واجب الأسرة يتعاظم مع هذه التقنيات التي أصبحت تحديات لكن أسلوب الرقابة الذي كان يقوِّمنا في عصر ما قبل الانترنت لم يعد كافياً ولا أقول مجديا ففرق بين العبارتين.. إن عصر الانترنت وما بعده من تقنيات يحتاج منا أن نزرع الثقة في نفوس أولادنا ليمارسوا هم الرقابة الذاتية، ويحتاج أيضاً أن نزيد بصورة متضاعفة من مساحات الحوار، لنقرأ أفكار أبنائنا من جهة، وندرك تطورها من جهة أخرى ونساهم في تقديم خبراتنا في الحياة ونقلها إلى أولادنا من جهة ثانية. وأضاف سماحته: إن الفكر الداعشي وغيره من أفكار التطرف والإرهاب لا ينتشر إلا في الأوساط المنعزلة، ومن ثم فإن الحوار بتقنياته ومجالاته داخل المجتمع وداخل الأسرة وداخل المدرسة ظاهرة صحية تكافح ظواهر سيئة من التطرف والتخلف. فروع الإفتاء تسير بخطط مدروسة.. و«نتأنى» في شغلها أكد سماحة المفتي في تعليقه على سؤال حول فروع الإفتاء في المناطق، وسبل تفعيلها وتطويرها بما يخدم المجتمع ويسهل عليهم.. قائلاً: هذا هو هدفنا الذي بسببه أنشأنا فروعاً للإفتاء في مناطق المملكة كافة وفق الأمر الملكي الذي صدر بخصوصها، بيد أن شغلها بالمتأهلين نتأنى فيه لأهمية الفتوى، والصفات المطلوبة في عضو الإفتاء، والفروع على سبيل العموم تسير وفق خطة مدروسة. وسائل التواصل تنشر «الغث والسمين» دون تصفية وتنقية تساءل الزميل الغنيم قائلا: سماحة الشيخ.. الحراك على مواقع التواصل المجتمعي، وإنشغال الكثير به، ماالموقف الشرعي مما يطرح فيه، ومامدى استثمار هذه الوسائل من قبل العلماء في التواصل مع كافة فئات المجتمع؟ أجاب سماحته: صفحات التواصل الاجتماعي شكلاً جديداً من أشكال الإعلام، وقد لا تسعف الإجابة المقتضبة لتقديم ما لدي حول هذا الموضوع نظراً لأهميته، لكن سأحاول أن يكون الإيجاز غير مخل، وإذا أردنا أن نقوم هذه المواقع تقويماً صحيحاً، فينبغي في البداية أن نعرف ما اختصت به وما الذي تفارق به الأشكال الأخرى من أشكال الإعلام. تتميز هذه المواقع أنها إعلام الفرد وليس إعلام المؤسسة فكل من ملك حساباً فإنه هو بذاته صفحة إعلامية مستقلة ولذلك فنحن هنا أمام إعلام الأفراد لا المؤسسات، أيضاً هذه المواقع لا تمر بمرحلة تنقية وتصفية ولذلك ينشر فيها الغث والسمين، والنافع والضار، والمهم والتافه، والصدق والكذب، ومن أهم مميزاتها السرعة، فتجد أن الخبر تتناقله هذه المواقع قبل غيرها. كل هذه الخصائص وغيرها تجعلنا نقف أمام هذه المواقع ونقدم أكثر من نصيحة في بعضها نرغّب وفي بعضها نحذّر.. فمن ذلك أن هذه المواقع تعتبر وسيلة مهمة لنشر الفائدة بين الناس من علوم نافعة وآداب قويمة لا تتكلف لذلك اجتماعاً، ولا إعلاناً، أيضاً هي من الوسائل المهمة للدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، سواء ما بين المسلمين أو غير المسلمين، كذلك هي من الوسائل المهمة لتقديم خطاب متزن وعاقل وحكيم إلى العالم أجمع يشرح الإسلام ويقدم حقائقه التي تتميز بالسماحة والاعتدال والوسطية، فبعد أن كان المسلمون يشكون من سيطرة بعض المجموعات على وسائل الإعلام الغربية التي تقدم صورة نمطية مشوهة عن الإسلام؛ فإن هذه المواقع تتجاوز هذه الوسائل ولكن يبقى في الحقيقة دورنا نحن وهل فعلاً سعينا لاستثمار هذه المواقع الاستثمار الأمثل سواء داخل مجتمعاتنا أو في مخاطبتنا للآخرين.. ومن هذه النقطة نبدأ في الحديث عن تقويمنا لواقعنا في التعامل مع هذه المواقع، ولا شك أن التقويم الصحيح يحتاج إلى دراسات ذات إحصاءات دقيقة عما ينشر في هذه المواقع وهو ما لا أملكه الآن، لكن يناسب أن أقدم نصيحة حول تعاملنا مع هذه المواقع، فينبغي أولاً : أن تذكر أن كل كلمة تنشرها ستسأل عنها، والبعض قد لا يعير اهتماماً بتغريدة لا تتجاوز (140) حرفاً ويقول تغريدة عابرة وينساها لحظة إطلاقها؛ لكن الله سبحانه وتعالى لا ينسى جل جلاله، والملائكة تكتب في الصحف ماتقول وتفعل "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد"، فكل تغريدة تطلقها ستعاد عليك يوماً وستسأل عنها حتى لو حذفتها فإنه لا يضيع شيء، ثانياً: يجب أن تعرف قدر الكلمة، وأن لها شأناً حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في نار جهنم "، ولذلك فإن من يضع لكلامه حساباً ومقداراً فإنه يقل كلامه لأنه لا يريد أن يتكلم إلا بالصحيح وفي موضعه الصحيح، ثالثاً: أن ترسم خطاً أحمر بين ما تنشر وبين حرمات الناس فلا يسوغ بحال من الأحوال أن تنشر شيئاً يهتك حرمة إنسان، ومن تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، رابعاً: أن تراعي مشاعر الناس بأن لا تكون في تغريداتنا ولو إشارة إلى شيء يؤذي مشاعر هذا أو ذاك فإن ذلك من حق المسلم على المسلم وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه من أن يسبوا أبا جهل إذا قدم ابنه عكرمة وقال: (يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمناً مهاجراً، فلا تسبوا أباه، فإن سبَّ الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت) مع أن أبا جهل فرعون هذه الأمة، ومع ذلك منع النبي صلى الله عليه وسلم من سبه بحضرة عكرمة حتى لا تؤذى مشاعره، خامساً: كما ينبغي أن نحذر من الشائعات،لا سيما تلك الشائعات التي تمس الوطن إما في أمنه أو في اقتصاده أو في تماسكه ووحدته، ولنعلم أنه ثمة معرفات كثيرة يقبع خلفها أشخاص مجهولون وجهات خبيثة لها أغراض سيئة تستهدف الوطن في وحدته واستقراره. وبالنسبة لسؤالك عن سعينا لاستثمار هذه المواقع فيما ينفع مهمة هيئة كبار العلماء فقد كلفنا الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بإنشاء إدارة للتواصل المجتمعي وتعاقدنا مع بعض الكفاءات الأكاديمية ذات التخصص في الإعلام والاتصال، والغرض من ذلك أن نصل إلى المتلقي وفق الوسائل الحديثة التي تجعل الجميع على تواصل مباشر، وأيضاً أن نبين موقفنا عند اقتضاء الأمر ذلك في بعض الأحداث التي تتطلب بيان الموقف الشرعي سواء في الأحداث المحلية أو العالمية، ومن المقرر عند أهل العلم أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة. آل الشيخ: أكدنا أهمية مدّ الجسور وبناء علاقات التعاون بين مراكز العلم والإفتاء في العالم الإسلامي تناول آل الشيخ في حديثه مراحل إحالة الموضوعات لهيئة كبار العلماء وآلية مناقشتها وإنجازها سماحة المفتي مع الأمين العام لهيئة كبار العلماء خلال «ندوة الرياض» الزملاء مديرو التحرير خلال لقائهم الشيخ د. فهد الماجد بحضور د. محمد الصبيحي ود.سامي السلامة - مستشارا الأمين - لاستعراض مضامين حديث المفتي حضور «الرياض» محمد الغنيم صالح الحماد خالد العويد عبدالله الحسني