نعيش عصر التحولات.. ونبتعد شيئاً فشيئاً عن الجذور، لا بد لنا من نقطة عطر عابقة بالتاريخ، وبالماضي الجميل، تعيد إلى هذا العالم بعضاً من روحه المفقودة والضائعة. في تراث أجدادنا نفتح نافذة مشرعة على الأعماق، وعلى الشوق والتوق للماضي، ونشرع باباً يدلف بنا نحو زمن جميل مفعم بالألفة والود ما بين الإنسان والطبيعة. في تراث أجدادنا نجدل من الخشب ومن مكونات الطبيعية جسراً يربطنا بماضينا الأصيل، ونحطم أقفال البوابات التي حاصرتنا خلف الحداثة، ونفتح طاقات وردية نتنسم من خلالها عطر الأصالة. في تراث أجدادنا نحاول أن نمد يد المصالحة، وننهي خصامنا مع روح الماضي الجميل، لأننا نؤمن بأن الانتماء إلى المكان والحنين إلى الزمان هما جناحا الروح التي تحلق بسكينة، وتنساب بهدوء ما بين برازخ الماضي وعتبات الحاضر. تراث أجدادنا رسالة حنين وشوق لماضٍ يتحرق لوعة لمن يسقيه كأس الوصال، وفي المهرجان الوطني للتراث والثقافة صلة روح مع هذا الماضي وهوية لنا، ويد ممدودة بالشوق إلى إعادة وهج العراقة لتسري في جميع مفاصل حياتنا، ذاكرة جمعية تنبهنا بإصرار لغفلة تتسبب بها نشوة الحداثة والتطور. لقد أشعل مهرجان الجنادرية قناديل الوعي فينا بأهمية أن نبقي بين الأصالة والمعاصرة، فإذا جذبتنا مغريات العصر أرخينا خيط الأصالة، وإذا تمادينا في الرجوع إلى الماضي شددنا خيط الحداثة وحتمية التطور. مهرجان الجنادرية، لم يكن مجرد تجمع لمظاهر تراثية وبرامج منوعة، إنه إعادة لنشوء الوعي بتكريس معادلة التوازن بين ما مضى عريق وحاضر مزدهر.