هذا الوطن العظيم ليس كثباناً من الرمل فقط؛ بل هو وطن التوحيد والجهاد، دماء كثيرة سالت حتى يكون متماسكاً، (الجنادرية) في الواقع تمثل الرمز الوطني الذي يحاكي الأمجاد بما فعله الأجداد. يقول أحد أبطالها الراحلين الشاعر مساعد الرشيدي: وطن.. يسعد صباحك يا وطنا.. والأعمار فداك تباكرك الرعود وينثني لك غصن بارقها وطن.. يسعد مساك.. الشمس ما غابت تبي فرقاك تعدّت للمغيب.. تعلّمه عن طيب مشرقها حين يأتي ذكر (الجنادرية) تقفز إلى الذهن مباشرة ليالي من الاحتفاء بتاريخ ومنجزات وممتلكات هذا الوطن الشامخ ورجالاته، كيف لا و(الجنادرية) ابنة الصحراء التي تفاخر بعراقتها وأصالتها وعشقها المتوارث. لم أذكر في بدايات حياتي أنه فاتني مشاهدة حفل افتتاح المهرجان، حيث يكون ذلك اليوم مليئاً بالسعادة الغامرة نظراً لما يحتضنه العرض التلفزيوني من نجوم الفن الكبار، فقد كنت ارتدي بدلتي العسكرية التي اقتناها لي والدي رحمه الله من إحدى المحلات كي ينمّي في مخيلتي حب وعشق هذا الوطن، وارتجل حينها مقلداً الشاعر اللواء خلف بن هذال أمام البسطاء في مجلسنا وكأنني مشاركاً في كل مهرجان يقام، إنه شعور الطفولة المختلف. وتمضي الأيام لأبحث عن ما يسمى بالجنادرية التي يتحدث عنها الجميع حتى زرتها قبل عدة سنوات؛ ويا للعجب؛ فعن أي مهرجان تتحدث وهو يحتوي على قرى ثريّة تقدّم تراثنا العريق، وعن أي القطاعات المشاركة التي تصف تطويرها المتلاحق. إنها لوحة فنية كبيرة تحكي ملخص التاريخ السعودي ليحتار فيها الإنسان من أين يبدأ؟ فهل يأخذه عبق الماضي بشذاه ودفئه وجماله؟ أم تأخذه مقتنيات العصر الحاضر بدقتها وحداثتها؟ ولا شك أن كثيراً من الأجيال قد لا تجد من يرسّخ لهم التاريخ ومنهم من لا يستجيب لروايات الرواة فتجد المهرجان الوطني للتراث والثقافة خير شاهد على المحاكاة، فقد لقيت الفكرة في إنشاء هذا العرس الوطني المتجدد اهتماماً كبيراً من جميع الأطراف سواء المنظّمة أو المشاركة في دمج كافة أطياف المجتمع السعودي وإظهار العادات والتقاليد بأزهى الحلل التي يمتزج فيها الحاضر بالماضي، فيعبق التاريخ، وتتمازج الأزمنة، بعروض متنوعة، وتأكيد وتأصيل الهوية العربية الإسلامية بموروثها الوطني من كافة الجوانب للمحافظة عليها.