حذَّر الإسلام من قطيعة الرحم, ونهى عن ذلك, قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) قال السمعاني رحمه الله عند قوله تعالى: (وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) (أَي: صلَة ذَوي الأَرْحَام) قال السعدي عند قوله تعالى: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) أي: (من البر والإكرام الواجب والمسنون وذلك الحق يتفاوت بتفاوت الأحوال والأقارب والحاجة وعدمها والأزمنة) ومما ورد في النهي عن قطيعة الرحم ما ثبت في صحيح البخاري أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ". ولسائل أن يسأل من هم الأرحام الذين يجب صلتهم؟ والإجابة أنهم هم: الأب والأمُّ والجد والجدة وإن علو, والولد وولد الولد ذكراً كان أو أنثى وإن نزلا, والإخوة والأخوات وأولادهم, والعم والعمات وأولادهم, والخال والخالات وأولادهم, وهم يتفاوتون في الصلة حسب القرب, ولكن كيف تكون صلة الرحم, والإجابة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله بأنَّ الصلة تكون: (بالزيارة إذا تيسَّرت، وبالمكاتبة وبالتلفون - الهاتف - ويشرع لك أيضا صلة الرحم بالمال إذا كان القريب فقيرا، وقد قال الله عز وجل: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقال سبحانه: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» متفق على صحته. انتهى ما قاله رحمه الله. ومن أسباب قطيعة الرحم: * الجهل بإثم القطيعة, والجاهل يعلَّم حتى يعلم عظم إثم ما أقدم عليه؛ فيتوب إلى الله ويصل رحمه. * الانشغال بأمور الدنيا فيقطع صلة رحمه لأجلها, وهذا خطأ, وليس بعذر وعلى كل من وقع في هذا الأمر أن يراجع نفسه, ويعطي كل ذي حق حقَّه, فإنَّ صلة الرحم واجبة, وقطيعتها من الكبائر. -التكلُّف الزائد في الضيافة, فبعض الأقارب لا يستطيع أن يجاري غيره في ذلك التكلُّف؛ لقلة ذات يده, فيقع في القطيعة, فنقول للمتكلِّف, إنَّ الكرم كل الكرم في استقبال الضيوف بالبشاشة والبشر, وبإكرامهم إكراماً لا يكون فيه تكلُّف أو إسراف وتبذير, وأن تراعي غيرك ممن لا يستطيع فعلك. * البخل بالمال والجاه, فبعض من الناس إذا تولى منصباً أو رزقه الله مالاً, تجده يقطع رحمه؛ إما بعدم نفعه لمن يحتاج منهم أو بعدم صلتهم كليَّاً كي لا يطلبوا منه شفاعة حسنة أو مساهمة بمال لأسرة محتاجة منهم, والواجب أن لا يبخل بماله أو جاهه في نفع قريب أو محتاج, ما دام مستطيعاً. * سوء فهم البعض حيث يظن أنَّ الاجتماع الذي ليس فيه مصلحة دنيوية اجتماع لا خير فيه والواجب وصل الرحم لأجل الدين, لا لأجل الدنيا. * كثرة المعاتبةِ واللومِ والحِدَّة في ذلك, فتحصلُ القطيعة, وهذا علاجه التغافل * الخلافات الدنيوية والوشاية والغيبة والنميمة, فتكونُ النفوس مشحونة والقلوب متباغضة وهذا لا يجوز؛ لأنَّه مهما حصل من خلاف دنيوي, فلا يجوز أن يقطع رحمه لأجلها.. عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رجلاً قال يا رسول الله: إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ» والظهير هو المعينُ والدافع لأذاهم. قال المقنع الكندي عن قومه: فإنْ يأكلوا لحميْ وَفَرْتُ لحومَهُم ْوإنْ يهدموا مجدي بنيتُ لهمْ مجدَا وإنْ ضيعوا غيبيْ حفظتُ غيوبَهمْ وإنْ همْ هوَوْا غَيِّيْ هويتُ لهم رُشدا ولا أحملُ الحقدَ القديمَ عليهمُ وليسَ رئيسُ القومِ من يحملُ الحقدا