قد يكتب الشاعر أو الأديب عبارة صغيرة تحوي في طياتها قصة طويلة! وقد يرسم الفنان لوحة تعبر عن آلاف الكلمات. وهذا هو حال الفيزياء، فأبياتها ورسماتها هي المعادلات الفيزيائية.. التي تطوي بداخلها كونا من الظواهر. منذ أن اكتشف الإنسان أن معادلة فيزيائية واحدة قد تحوي بداخلها أنباء كثيرة عن الطبيعة، فإنه ما يزال في سعي حثيث ل"كبسلة" أكبر قدر من الظواهر في أقل قدر من المعادلات. وفي هذه الرحلة، اكتشف الإنسان أشياء كثيرة.. منها غرابة فيزياء الكم، والجمال الخارجي والداخلي في معادلات الفيزياء -كلاهما كان محور مقالات سابقة-، ومنها أننا قد نرى ظاهرتين في الطبيعة على أنهما ظاهرتان مختلفتان، ولكنهما في الحقيقة وجهان للعملة نفسها، إذ تُوصفان بالمعادلات نفسها أو أنهما الشيء نفسه في حكم الطبيعة! من أجمل الأمثلة على هذه الحالة: ظواهر الكهرباء والمغناطيسية. فقد ظن الإنسان لوقت طويل أنهما شيئان مختلفان تماما، حتى اكتشف الإنجليزي فاراداي أنهما مرتبطان كالين واليان! لن أشغلكم بالتفاصيل، ولكن هذا "التوحيد" بين الكهرباء والمغناطيسية أصبح "مكبسلا" في "أبيات فيزيائية" صغيرة اسمها: معادلات ماكسويل. ولمن يسأل: "ماذا استفدنا؟"؛ فإن مقدرتك على قراءة هذه المقالة في الشاشة أو مطبوعة بين يديك هي من تطبيقات تلك المعادلات. ولا تتوقف القصة عند ماكسويل، بل إن هذا النجاح كان وما يزال دافعا للفيزيائيين للعمل على الربط بين ظواهر فيزيائية تبدو مختلفة عن بعضها واكتشاف المعادلات المشتركة في وصفها. ومما أسهم في النجاح المبهر في مقدرة الإنسان على فهم أساسيات الطبيعة هو التوصل إلى نظرية فيزيائية عميقة جدا تسمى: نظرية المجالات الكوانتمية. وهي خلاصة جهد استمر لعشرات السنين -في القرن الميلادي الماضي- لدمج نظرية آينشتاين الخاصة للنسبية مع فيزياء الكم. هذه النظرية العميقة مكنت الفيزيائيين من اختزال الكثير عن الكون في معادلات قليلة قادرة على وصف ظواهر كونية كثيرة وبدقة لا تكاد تصدق! ومن أمثلة معادلاتها: معادلة ديراك التي تنبأت -من ضمن ما تنبأت به- بوجود المادة المضادة التي حدثتكم عنها في مقال سابق. مع توالي النجاحات في "كبسلة" ظواهر الطبيعة الأساسية في معادلات قليلة، أصبح الإنسان يطمح للوصول إلى معادلة واحدة تحمل في طياتها ظواهر الفيزياء في كوننا المرئي كله! هل سنصل إلى تلك المعادلة؟ لا أحد يدري. ولكن من المؤكد أننا سنظل نحاول، ولا شك أن الكثير من المفاجآت ستظهر للإنسان على جانبي الطريق في هذه الرحلة المثيرة.