تكلمت عن المحاكاة الطبية في مقالي السابق وأنها جاءت منقذة للمريض والمتدَرب والمدرب على حدٍ سواء. كما عرفنا أننا في مملكتنا الغالية لدينا عدة مراكز جامعية متخصصة في هذا المجال منها مركز المحاكاة في جامعة المؤسس (الملك عبدالعزيز) في جدة وجامعة الملك سعود في الرياض. بل إن هذه المراكز مسجلة عالمياً وحاصلة على اعتراف هيئات التدريب بالمحاكاة عالمياً. يخضع هذا الحقل العلمي لمعايير كثيرة تمكن الدارسين من دراسة حالات مشابهة جدا للحقيقة. تبذل كثير من الجامعات العالمية جهداً كبيراً وعملاً شاقاً لإنتاج أجهزة محاكاة قريبة جدا من الإنسان وبالغة الدقة. فقد وضع الأطباء في المركز الطبي بجامعة روشستر (URMC) طريقة جديدة عند تصنيع الأجهزة الاصطناعية، بها من خصائص التشريح البشري ما يحاكي جسد الإنسان، لدرجة أنه ينزف عند جرحه. وبالتالي فإن هذه النماذج قادرة على خلق محاكاة واقعية لغاية التدريب، وقريبا قد يتم استخدامها على نطاق واسع لتكرار الحالات المعقدة قبل الجراحة. في تجربة فردية من نوعها جاءت من رحم جامعة روشستر وتولدت من بنات أفكار الدكتور أحمد غازي، الأستاذ المساعد في قسم جراحة المسالك البولية في كلية طب الجامعة، والدكتور جوناثان ستون، الطبيب المقيم في جراحة المخ والأعصاب في نفس الجامعة والحاصل أيضاً على شهادة البكالوريوس في الهندسة الطبية الحيوية، حيث طورا نموذج محاكاة يتم وضعه من خلال تحويل الصور التي تم الحصول عليها من المسح الطبي (الأشعة الطبقية والصوتية والنووية والرنيين المغناطيسي لمرضى المركز) وبمساعدة (3D) الطباعة ثلاثية الأبعاد، لإنتاج أجهزة (مانيكان) نابض يمكن يستجيب، كما يمكن تشريحه ليرى الدارس التفاصيل التشريحية لجسد الإنسان التي يجب أن يعرفها. من مميزات هذا البرنامج أنه متكامل حيث أن "عددا قليلا جدا من برامج المحاكاة القديمة والحديثة تستطيع محاكاة أحداث العمليات الجراحية المختلفة كما تحدث في الحقيقة" بخلاف البرنامج الذي صممه فريق الدكتور غازي والذي بإمكانه محاكاة العمليات الجراحية وكأنها مباشرة على الهواء مع إماكنيته تغيير الأحداث حسب أداء المتمرن بطريقة تماثل ما يحدث في الحياة الحقيقة. فهذا النموذج الجديد يشعر ويتفاعل ويسمح للمتدربين والجراحين لتكرار نفس التجربة التي سيواجهونها في غرفة العمليات مع المريض الحقيقي. بدأ هذا البرنامج قبل حوالي عامين، مرّ خلالها بعدة مراحل تطوير لم تكن كلها ناجحة وكان منها الفاشل ومنها الناجح إلى أن وصلت لهذا المستوى من المحاكاة الحقيقة لجسم الإنسان وأحواله المرضية المختلفة وبالخصوص بعد تطور تكنولوجيا الطباعة ثلاثية الأبعاد (D3). تبدأ عملية صنع أجهزة المحاكاة بالحصول أولاً على صور الرنين المغناطيسي، والمسح الطبقي، أو التصوير بالموجات فوق الصوتية وتدخل في تصاميم بمساعدة الكمبيوتر (CAD). يقوم بعدها الكمبيوتر بإعداد تصميم دقيق لجسم الإنسان من الناحية التشريحية ثم يتم نقل الأوامر الطباعية للطابعة ثلاثية الأبعاد والتي بدورها، وفي عملية شبيهة بصب تمثال من البرونز، تقوم بإنشاء نسخ طبق الأصل من مادة مختلطة من الماء و الهيدروجيل والتي تصبح صلبة بعد أن تجمد وتجفف. يماثل قوام هذا النموذج وأعضائه المختلفة تلك التي توجد في أجسامنا، مما يعطينا أن هذا الجهاز الآلي (المانيكان) له ملمس وتكوين قريب من تكوين أجسادنا في الحقيقة. بل قد ذهب صانعوا هذا النموذج إلى قدر كبير من البحث والتجربة في عملية صياغة الهيدروجيل المكون لجسد المانيكان النهائي ليس فقط من حيث الاتساق التشريحي الصحيح، بل وصل أيضاً إلى مماثلة اللون أيضاً. يتجسد هذا النموذج كمثال للتكامل بين العلوم الطبية والهندسة في فن الرسم وفن الحفر وكيفية تحويل العلم لحرفة تستفيد منها البشرية جمعاء. من ثمار التعاون بين كلية طب جامعة روتشستر وقسم الهندسة الطبية الحيوية فيها، هو إنتاج هذا النموذج الذي تعرض لمئات الاختبارات العلمية للتأكد من أن المنتج النهائي له نفس الخصائص الميكانيكية التي توجد في الأنسجة الحقيقية. وأخيرا قام مصمموا هذا النموذج بدراسة أداء الجراحين المتمرسين والجدد على النموذج وقارنوها بأدائهم أثناء العمليات الجراحية الحقيقية على مرضى حقيقيين بأمراض حقيقية فوجدوا أن أدائهم متقارب ولا يوجد فرق بينهما ملحوظ. وبعد عامين من دخوله لعالم التدريب الحقيقي في كلية طب جامعة روشستر، حصل النموذج على اعتراف الجمعية الأميركية للمحاكاة كنموذج لمحاكاة الجهاز البولي والذي أصبح جزءا من جدول للبرنامج العلمي للجمعية خلال الاجتماعات السنوية. بمحاكاة الأشعة السينية (X-ray) يستطيع الكمبيوتر بناء نموذج قلب طفل يساعد على محاكاة العملية الجراحية التي تتم على قلوب الأطفال تسرع الطباعة ثلاثية الأبعاد من بناء النماذج الأكثر تعقيدا كعظمة الحوض يتابع الفيزيائي الطبي في الصورة عملية طباعة ثلاثية الأبعاد لبناء نموذج عملية جراحية في الدماغ في مختبرات جامعة فلوريدا