العقود الإدارية هي الوسيلة التي تُلبي حاجة الدولة عند مباشرة مهامها في إنشاء وإدارة المرافق العامة؛ فهي تشتري وتبيع وتستثمر وتؤجر الأراضي والعقارات، ومن خلالها تؤمن حاجاتها من المواد والخدمات بهدف تحقيق مصلحة عامة؛ لذا فإن العقد الإداري وإن كان يتطلب توافق إرادتين لإحداث أثر قانوني، إلاّ أن ارتباطه بمرفق عام جعل التزامات المتعاقد "المقاول" بذل أقصى ما في وسعه من عناية وحرص عند تنفيذ ما تعاقد عليه، وأن يُنفذ العمل بنفسه دون الاستعانة بغيره ما لم توافق الجهة الإدارية على ذلك، وعليه تنفيذ أوامر التغيير التي تصدرها الإدارة ما لم تتضمن تغييراً جوهرياً في العقد، ويلتزم أيضاً بتنفيذ العقد خلال المدة المتفق عليها وإلاّ تعرض لإيقاع غرامة التأخير أو سحب العمل والتنفيذ على حسابه حسب الأحول دون الحاجة إلى اللجوء للقضاء. وفي مقابل هذه الامتيازات الاستثنائية للإدارة؛ فإن للمتعاقد معها حق الحصول على الربح الذي يهدف إليه في تعاقده، ولن يتحقق ذلك إلاّ عند إعادة التوازن المالي للعقد عند اختلاله بتعويضه عن ارتفاع الأسعار بسبب استخدام الإدارة لسلطتها أثناء التنفيذ أو عند حصول ارتفاع مفاجئ في الأسعار والخدمات بسبب حادث مفاجئ لا يد له فيه، تزيد الكلفة عليه أو عند مواجهته لصعوبات مادية في أرض المشروع لم تكن معلومة تتطلب جهوداً كبيرة ومصاريف غير متوقعة لإزالتها، عندها يحق للمتعاقد مساندة ودعم جهة الإدارة له بتعويضه تعويضاً عادلاً عما تعرض له من خسائر ويحقق للإدارة هدفها وهو حسن التنفيذ واستمراره وإنجازه بالسرعة المطلوبة. وقد جاءت نصوص القرآن الكريم وسنة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام وما استنبطه العلماء من قواعد فقهية صالحة لكل زمان ومكان، تحث على إعادة التوازن المالي للعقد عند اختلاله، ومثال ذلك قاعدة (الضرر يزال)، و(المشقة تجلب التيسير)، و(العبرة للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني) وقاعدة (الأصل في العقود العدالة) و(إذا ضاق الأمر اتسع) و(منع الظلم). وقد أحاط نظام المنافسات والمشتريات الحكومية ولائحته التنفيذية المقاول بالاهتمام والرعاية ووفر الضمانات الكافية لتجنيبه مثل هذه الصعوبات والحد من آثارها السلبية عليه؛ لضمان حسن سير العمل تحقيقاً للصالح العام، وقرر استحقاقه للتعويض عند مواجهتها. وهكذا يبدو جلياً بأن النظام وفَّر للمقاول الضمانات الكافية بتعويضه عن أية خسائر يتعرض لها أثناء تنفيذ العقد لأسباب طارئة غير متوقعة حسبما تقدم. *محام