تحدث د. خضر الشيباني عن المعضلة الثقافية في التكوين العربي، متقصياً طبيعة إشكالية التنمية ودواعيها، وفحص هواجس المثقفين وهموم المفكرين بحثاً عن الحلقة المفقودة وسعياً لتوليد نبض الفاعلية في المجتمعات العربية، وحل إشكالية الثقافة الملازمة للمجتمعات منذ قرون، مستعرضاً منهجية كتابه "إكسير التنمية" الذي يهدف إلى تأصيل الثقافة العلمية في المجتمعات العربية، وجاء ذلك خلال محاضرةٍ ألقاها بمجلس حمد الجاسر الثقافي بعنوان "إكسير التنمية والهاجس اللغوي"، وأدارها د. يحيى أبو الخير. وتناول المحاضر أسباب القصور البين في المجتمعات العربية وسبب فشلها الذريع في محاولاتها المتكررة والمتباينة لتأسيس نهضة وتحقيق تنمية عبر قرنين منذ ما عُرف باسم "عصر النهضة"، وقال إن المدارس الفكرية والخطط الاقتصادية بأطروحاتها النهضوية والتنموية المتعددة ما تزال عاجزة عن تغيير الواقع العربي وإخراجه من مأزقه التنموي. وأشار إلى أن الأُطُر المتداخلة لثالوث "التنمية والثقافة والعلم" هي التي اهتم في كتابه بتحليلها واستكشاف أبعادها وبلْورة مقوماتها، موضحاً أنه منذ قرنين من الزمن كانت وما تزال القضية الكبرى في حياة المجتمعات العربية هي قضية النهضة، وكانت وما تزال الأسئلة الكبرى هي أسئلة النهضة، ومن كل ذلك انبثقت إشكالية النهضة وفي طياتها إشكالية الأصالة والمعاصرة، وقال إنها تُمثل التشابُك المعقد بين تداعيات وجدانية، وتداخُلات تراثية، وقضية الهوية والدفاع عنها ضد "الفكر الغازي" القادم من الغرب؛ ويحدُث كلُ ذلك في الوقت نفسه الذي تظلُ فيه معطيات ذلك الغرب -على مختلف الأصعدة- مثالاً مطلوباً في التنمية ونموذجاً مرغوباً في النهضة. وأوضح الشيباني أن المعضلة الأساسية التي تُعاني منها المجتمعات العربية هي معضلة ثقافية بامتياز، ولكن الثقافة المطلوبة ليست أي تخرُصات ثقافية، أو إرهاصات فكرية، أو مُزايدات لفظية غائمة عائمة في سماء ملبدة بالإجهاضات والنكسات والإحباطات، ولكنها -بالضرورة- ثقافة ذات نكهة خاصة ومزايا محددة ومقومات واضحة، تحقق الاستجابة اللازمة لطبيعة التحدي القائم وتتوافق مع روح العصر، ولذا اهتم بسبْر العيوب البنيوية في الثقافة العربية، ليؤكد أنها في مُجملها مسؤولة عن تفاقُم إشكالية التنمية.