استشراف العلاقات الروسية الأميركية في عهد الرئيس الأميركي الجديد، تثير استنتاجات مزعجة للسياسة الأميركية في المنطقة، فالقادم الجديد للبيت الأبيض، رجل أعمال يؤمن بنجاح علامته التجارية التي لا تنجح إلا باكتساح العلامات السابقة والمنافسة، فقد بدا من قبل تنصيبه رسميا أنه عازم على مسح كل إنجازات سابقه الرئيس أوباما، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، فقد عمل على إلغاء أوباما كير، ورفض طرد الدبلوماسين الروس، وهاجم عدم اعتراض أوباما على مشروع إدانة بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأممالمتحدة، ووعد بتصحيح الوضع عند استلامه للسلطة.. المهم في منطقة الشرق الأوسط، هو كيف سيتعامل ترامب مع القضايا المشتعلة والعالقة في المنطقة؟ ترامب يتفق تماما مع موسكو بأن العدو الحقيقي للحضارة الغربية هو التطرف الإسلامي، وأن بشار الأسد وجوده أفضل من إزاحته من السلطة، حتى لا تتمكن الجماعات الإرهابية من الحكم في سورية، فالحرب على الإرهاب محل اتفاق روسي أميركي في المرحلة القادمة، وهذا الاتفاق يجعلنا نتساءل عن مصير الاتفاق النووي الإيراني وقانون جاستا، فمحاربة الإرهاب بالمفهوم الغربي تتشابك كثيرا مع هاتين القضيتين، كما أن هاتين القضيتين-إضافة إلى الأزمة السورية- هما ما سوف يكشف مدى التقارب الروسي الأميركي في قضايا الشرق الأوسط، فإن تحول هذا التقارب إلى تحالف إستراتيجي لمحاربة الإرهاب في المنطقة سوف يجعل الاتفاق النووي الإيراني مرهونا بقوة وتماسك هذا التحالف، فروسيا ترتبط بحلف مع طهران وبغداد ودمشق لمحاربة الإرهاب، وهذا أمر من صالح المليشيات الشيعية المتطرفة، التي هي موجودة الآن ضمن هذا الحلف في محاربة الإرهاب السني، فالإرهاب في معناه الحالي ونزعة ترامب لمحاربته سوف يجعل روسيا هي من تحدد مواقع مواجهته والدول التي سوف تعتمد عليها في محاربة الإرهاب، وهذا التوجه سوف يخدم طهران كثيرا، فالتقارب الروسي الأميركي فرصة جيدة لإيران للمحافظة على اتفاقها النووي من خطر الإلغاء. الدول السنية لن يفرق معها الأمر كثيرا فما كان يهدد استقرارها أثناء حكم أوباما، هو ما كان يثير مخاوفها من نجاح هيلاري كلينتون، وكذلك الأمر مع ترامب، إلا أن هذه المرة ستشهد مخاوف من نوع آخر، وهي نهاية لعبة المحاور والاستقطابات، وبداية تحالف دولي لمحاربة الإرهاب هي لن تكون من ضمنه، فموسكو عاصمة الدول المحاربة للإرهاب، وواشنطن حليف ضمن دول عدة لا أكثر.