للتربية قديماً دور مهم في تأديب الجيل وتقويمه, ويأخذ المربون الجدية في التوجيه, والتدريب, والتقويم, بخطة منهجية وهدف طويل المدى, بتخريج رجال ونساء يعتمد المجتمع عليهم, ويشاركونه صنع القرار والعمل فيه, إلا أن معايير التربية التي كانوا ينتهجونها كانت بالفطرة, لكنها خرّجت رجالاً ونساء تركوا بصمة, تدل على منهجية تربوية محكمة التخطيط والهدف, فنجحت في مخرجاتها. تقع تربية النشء على المجتمع بأكمله, فالمراعي تربي, والمجلس يربي, والجار يربي, والأب والأم والجدة كلهم مربين, ما يجعل الفرد طوال اليوم في حالة تربية مستمرة. الشاعر حمود بن محمد السييد البلوي ترك لنا قصيدة أسندها لابنه جهاد, مليئة بتوجيهات ونصائح تربوية اجتماعية أخلاقية, عليه أن يتمسك بها ليرتقي, ووضح فيها ما هو مطلوب من النشء, الذي رأى فيه جيل كامل عليه أن يكمل مسيرة أجداده تتضح في آخر بيت من القصيدة: يا جهاد كود أنك تجوّد وصاتي بهديك من دون الأواليد توصاه قم سو فنجال على مشتهاتي وقدر له الطبخة ولا تزيد في ماه مبهرا مع ذبته في شفاتي يجذب لبيهور الطواري من أقصاه أول حبال طوال وقصيّرات وفي الوقت هذا كل حبل ورد ماه سوقه على ربع لهم سابقات ونص العرب لا تنزمل لو تعدّاه وامسح بوجهك يوم جن مقبلات وارع الولد طيبة على حجة احباه والضيف ضيف الله وله رزق ياتي ويذيع في شرح المعازيب وقراه والجار له مقدار في اللازمات ولابد ما يرحل وتقفي مطاياه وعلى الخفي يا جهاد والبينات أوصيك لا تكشف على السد عذراه وراع الرحم يا جهاد له واجبات شيم رحيمك وابتعد عن مخازاة وخلك لربعك مثل عشب النبات ورجل بلا ربع ترى الضيم ياطاه وارع الرفاقة مثل لبس العباة تكشي عراقيبك وتمسي مباهاه وخطو الولد ما بين ودي وهات وش هي حياته واصمع التيس يسواه وان ساق فيك الشيب وانته بشات ما ينفعك فيه الدوا والمداواة انجيت للمجلس ولك طيبات كلٍ يلزّم غير تقعد بمركاه وترى الردي يا جهاد يضحي فلاتي وان ما لقى مقعد ثنى الرجل بحذاه وان قام قالوا واحد ما يواتي يا الله لعله مدة مقيط برشاه واليوم أنا يا جهاد رافي عباتي وجيلي مشى ولابد ما امشي بممشاه ومن أقوى مناهج التربية قديماً, الحرص على ترسيخ العادات والتقاليد, والتأكيد عليهم بعدم الخروج عليها, لأنها تسبب التأديب في الإقصاء أو التحقير بين أفراد المجتمع, والتي وضحها الشاعر حمود في البيتين قبل الأخير من القصيدة السابقة, قد تصل به بعدم تزويجه, أو عدم الزواج من بناته, ورفض تزويج أولاده, الا بمن يتناسبون مع مكانته, ويؤكد الشاعر مشرف بن عبدالعزيز الرموثي هذه الفكرة فينصح ابنه حثار بعدم الزواج من بنات ممن خرجوا عن العادات والتقاليد: حثار لا تاخذ بنات الدناقير اللي بيوت عيالهن ما تكنِّ خذ من بنات مقحمين القناطير تلقى ملافيهم مناهل لبني ويضع المربين تجاربهم بين أيدي النشء من خلال أقوال أدبية, وتوجيهية, تعمل بالتأثير عليهم بطرق مباشرة أو غير مباشرة, بتوجيه قصة شعبية أو قصيدة شعرية تسند لأحد الأبناء مباشرة, أو للمجتمع كما في قصيدة حمود السيد التي أسندها لابنه جهاد, وفي معانيها موجهة للجيل بأكمله, ليأخذ أقرانه منها ما تضمنته من نصائح وتوجيهات, التي تكمن في معانيها, بهدف بناء إنسان سوي يندمج مع أفراد المجتمع وينتهج سلوكهم بعاداتهم وتقاليدهم. اهتم مجتمع الجزيرة العربية قديماً بتربية النشء ووضع للتربية هدفاً بمعايير الجودة, وإن كانت على أسس فطرية إلا أنها ضمنت جودة التربية, فخرجت الفرسان والشيوخ والعلماء.