عندما ذهب الروس والأتراك والإيرانيون الى صياغة خارطة طريق من ثماني نقاط لإنهاء الحرب في سورية فى 20 من ديسمبر كانون الاول الماضى كان اللافت ان سورية بكافة فصائلها لم تكن موجودة في ذلك الاتفاق الذي غاب عنه ايضا الاميركيون والأوروبيون والعرب ولو حتى بصفة مراقب الأمر الذي دفع بأهل السياسة الى التساؤل: هل كان هذا الاتفاق الثلاثي جزءاً من مقايضة ما؟ أم ان الاطراف الغائبة عن هذا الاتفاق قد فضلت غض النظر عنه لإدراكها من ان الانتقال الى الحل السياسي في سورية لن يكون انتقالا تلقائياً او سهلاً من دون توافق إقليمي ودولي على ذلك الحل؟ لا احد يملك جواباً حاسماً ونهائياً على ذلكم التساؤل بالذات لكن فإن الجميع يترقب دخول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب البيت الابيض في 20 من الشهر الحالى وما سيصدر عنه من اشارات بشأن الوضع في الميدان السوري ويقف امام خيارات الادارة الجديدة في هذا الميدان الذى ستتحدد على الموقف منه توجهات السياسة الاميركية في المنطقة خلال السنوات القادمة ومع ذلك فمهما كان موقف الرئيس ترامب وحرصه على عدم شيطنة العلاقات مع روسيا كما سبق وان صرح به فإن إيجاد علاقة مستقرة مع الرئيس بوتين الطامح الى اعادة امجاد الاتحاد السوفيتي يبقى امراً شائكاً في ظل تباعد أهداف القوتين الكبريين وتعارض مصالحهما وسعي كل منهما الى ترسيخ مكاسبه وموقعه في هذا الإقليم الحيوي واتساقاً مع كل ذلك فإن وجود عناصر مهمة في إدارة ترامب تنزع للتعاون مع روسيا لا يعني بأي حال من الأحوال أن واشنطن في عهد ترامب ستتجه إلى المهادنة مع الجموح الروسي. ربما كانت موسكو أكثر المستعجلين لعقد اللقاء الثلاثي مستغلة اللحظة المفصلية التى تمر فيها إدارة الرئيس اوباما والتى يقول عنها خصومها انها من تعاملت مع الأزمة السورية بصورة مرتبكة وإنها التى لم تكن تمتلك إستراتيجية حقيقية وجادة للتعاطي مع هذه الأزمة ويستدلون على ذلك بفشلها في منع سقوط أحياء حلب الشرقية وهو القرار الذي كان سيبقيها لاعباً مهماً في الملف السوري وحاضرة فيه بشكل فاعل ولعل ذلك وهو ما شعر به أوباما الذي تحاشى مغادرة مكتبه وهو مثقل بهذا الفشل مما دفع به في لحظة متأخرة إلى رفع وتيرة تسليح فصائل المعارضة السورية. مجلس الأمن الدولي الذي بارك (خارطة الطريق) التى خرج بها اللقاء الروسي - التركي - الايراني كان يعلم ان إعلان موسكو 2016 هو نسخة طبق الأصل من إعلان فيينا 2015 وأن دوافع الدول الثلاث قد تكون أبعد بكثير من الحرب السورية ولذلك فقد انطلق من قاعدة قديمة في الشرق الأوسط مفادها ان أية هدنة حتى وان كانت هشة تبقي أفضل من مباركة الحرب وبالتالي فهو الذي لم يغص كثيراً في سيرورة المراحل الاساسية التى يحتاجها أي اتفاق قادر على إيقاف الحرب في بلد كسورية ناهيك عن البحث في المصاعب العملية التي تقف في طريق صمود وقف اطلاق النار والتزام كل الاطراف بالهدنة التي جرى الاتفاق عليها واستحالة اقناع أطراف المعارضة في المفاوضات بالمشاركة في حكومة سورية جديدة في ظل استمرار الأسد على رأس السلطة.