من اللافت للانتباه في هذه الأيام عناية كثير من شرائح المجتمع بأخبار التقلبات المالية في العالم، والغوص في لجج التحليلات الاقتصادية، ما بين متفائل ومتشائم ومترقب، وأحسب أن من الحسن في مثل هذه الظروف الإشارة والتذكير إلى تأمل المنهج الإسلامي الفريد في إدارة الأزمات المالية، وتطبيق سياسته، وتحقيق معالمه. فمن ذلك أولًا: اليقين بأن الدنيا لا تدوم على حال فسنة الله جلّ وعلا في الأيام والأحوال أنها لا تقر على أمر دائم بل هي سريعة التقلب والزوال، كما قال تعالى: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ). ثانياً: الثقة بوعد الله ورزقه لخلقه، فإن العبدَ إذا أيقن بأن الأجل محدد، وأن الرزق مقدر، واطمأن قلبه بذلك؛ فإنه لن يجزع من فقر أصابه، أو جائحة أتلفت ماله، ولن يشغل نفسه بالدنيا عن عمل الآخرة؛ لأنه يعلم أنه مهما سعى واجتهد وأجهد نفسه فلن يكتسب إلا ما كُتب له. ثالثا: اللجوء إلى الله تعالى واستغفاره، والاستعانة به، فإن ملاذ المسلم دائماً وأبدا في أي نائبة هي اللجوء لربه سبحانه وتعالى، والتضرع إليه والاستعانة به سبحانه وتعالى، واستغفاره، والله –عز وتعالى- عند ظن عبده به، وقد أوصى الزبير بن العوام ابنه عبدالله بقضاء دينه وقال له: "يا بني إن عجزت عنه في شيء فاستعن عليه بمولاي"، فقال له: "يا أبت من مولاك؟ "فقال: "الله"، قال عبدالله: "فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقض عنه دينه فيقضيه". رابعاً:حسن التدبير في المال، فالعاقل الفطن هو من يحسن إدارة أمواله، فحسن التدبير من تمام الحكمة، يقول أحد السلف: «حسن التدبير مفتاح الرشد، وباب السلامة الاقتصاد». خامساً: القناعة بالقليل فهي سبب من أسباب البركة. وقد روي عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قد أفلح من أسلم ورُزق كفافاً، وقنّعه الله بما آتاه). سادساً: الحرص على العمل وزيادة الدخل، فمما ينبغي على المرء إذا نزلت به نازلة، أو ضائقة مالية أن يسعى إلى إثراء مصدر دخله وتنويعه، فلا يعتمد على مصدر واحد، وما أسعد الواحد منا حين تعتدل أمامه مسالك الحياة، فيعمل ويتصبب عرقه، فيزكيه ذلك العرق ويطهره من فضلات الكسل وجمود النفس، فالإسلام لا يعرف المؤمن إلا كادحاً عاملاً، مؤدياً دوره في الحياة، آخذاً منها، معطياً لها. سابعاً: ترشيد الإنفاق، فيقدم الأهم على المهم، وذلك في عدم الإكثار من المباحات، ووسائل الترفيه، بل ينال المرء ما يحتاج منها باتزان واعتدال. ثامناً: تقليل المصاريف الاستهلاكية، فإن منهج الإسلام تربية الفرد لا على الاستهلاك بل على الاستغناء عن الأشياء حتى لا تستعبده المادة كما هو حال كثير من الناس اليوم؛ إذ أصبحوا منساقين بلا إرادة ولا تبصر إلى الإسراف وهدر الأموال فيما لا ينفع تقليداً لغيرهم، أو للتباهي بها عبر شبكات التواصل الاجتماعي ونحوها. تاسعاً: الحذر من الاقتراض والاستدانة قدر الاستطاعة، فالدَّين مشروع لكن العاقل لا يَعمد إليه إلا في حال الاضطرار الشديد، شريطة أن يكون لأجل توفير الاحتياجات الضرورية، وليس توسعاً في المصاريف الاستهلاكية أو المستلزمات الكمالية، لأنه ذلك مما يتنافى مع مقاصد الشريعة الإسلامية. * مستشار شرعي وإمام وخطيب جامع خادم الحرمين