على غرار عام 2015، انتهى عام 2016 في فرنسا على خلفية تزايد الخطر الإرهابي، بل إن إجراءات أمنية مشددة اتخذت في أواخر أيام العام لحماية عدد من الأماكن الحساسة المعرضة أكثر من غيرها لعلميات إرهابية لاسيما بعد مقتل التونسي أنيس العامري المشتبه به في ارتكاب اعتداء في مدينة برلين بواسطة شاحنة مما أدى إلى مقتل 12 عشر شخصا. وقد اتضح أن العامري عبر فرنسا وهو في الطريق إلى ميلانو حيث قُتل بعد حصول هذا الاعتداء الذي ذكَّر الفرنسيين باعتداء مماثل كان قد ارتكب بالطريقة ذاتها في مدينة نيس في الليلة الفاصلة بين الرابع عشر والخامس عشر من شهر يوليو أي يوم الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي، وكانت حصيلة هذا الاعتداء أكثر ثقلا من اعتداء برلين لأن عدد القتلى بلغ 86 بينما تجاوز عدد الجرحى أربع مائة. وبعد مرور أقل من أسبوعين على اعتداء نيس، تم ذبح كاهن فرنسي يبلغ من العمر السادسة والثمانين في إحدى الكنائس ببلدة "سان إيتيان دو روفري" الواقعة قرب مدينة روين، وقد اضطرت السلطات الفرنسية خلال عام 2016 إلى تمديد حالة الطوارئ للمرة الخامسة بسبب تزايد الخطر الإرهابي مما ساعد الأجهزة الأمنية على إحباط قرابة سبع عشرة عملية إرهابية كان يُفترض أن تُرتكب إحداها أمام كاتدرائية "نوتردام دو باري" الواقعة في دائرة باريس الخامسة وذلك في شهر سبتمبر الماضي. وبالرغم من الانتقادات الحادة التي وُجهت للحكومة الفرنسية بسبب التمديد لحالة الطوارئ، فإن هذه الأخيرة رأت أن فرض حالة الطوارئ هو الذي سهل عليها إلى حد كبير التوصل إلى إحباط عدد من مشروعات العمليات الإرهابية. وانتهى عام 2016 ولا يزال الجدل قويا في فرنسا حول سبل الحد من الإرهاب بطرق قانونية وأخرى تفرضها الحالات الاستثنائية مثلما هو عليه استمرار الجدل حول الطريقة التي ينبغي أن تتعامل من خلالها الدولة الفرنسية مع الديانات ولاسيما مع الديانة الإسلامية التي ساعدت الحركات المتطرفة والإرهابية على تشويهها وتقديم مسلمي فرنسا لدى شرائح هامة في المجتمع الفرنسي، كما لو كانوا طرفا لابد من التعامل معه بحذر، والحقيقة أن الحكومة الفرنسية لم تسقط في الفخ الذي سعت أطراف كثيرة إلى إيقاعها فيه عبر جعلها تخلط هي الأخرى بين الإسلام والمسلمين من جهة والحركات المتطرفة والإرهابية من جهة أخرى، بل إن الحكومة أطلقت عدة مشروعات هدفها التوفيق بين مبادئ العلمانية التي يقوم عليها النظام الجمهوري الفرنسي من ناحية وضمان حرية المسلمين في ممارسة شعائرهم الدينية من ناحية أخرى. *مفاجآت لانتخابات الرئاسية ومن أهم الأحداث الفرنسية التي طبعت عام 2016 تلك التي تتعلق بالاستعداد للانتخابات الرئاسية التي ستجري خلال شهري أبريل ومايو المقبلين. وما يميزها أساسا سلسلة من المفاجآت منها مثلا ما يخص نيكولا ساركوزي الرئيس الفرنسي السابق الذي كان يعول على العام المنقضي ليكون مرشح أحزاب اليمين التقليدي في هذه الانتخابات وليضمن من جديد عودته إلى قصر الإليزيه، ومن هذه المفاجآت أيضا تلك التي تتعلق بالرئيس الحالي فرانسوا هولاند الذي كان يُنتظر أن يرشح نفسه من جديد إلى رئاسة الجمهورية على غرار تقليد دأب عليه غالبية الذين تقلدوا منصب رئيس الجمهورية الفرنسية منذ عام 1958، ولكن ساركوزي فشل في مسعاه لأن المشاركين في الانتخابات التمهيدية التي جرت لاختيار مرشح عن أحزاب اليمين والوسط التقليديين، فإنهم فضلوا رئيس الوزراء الأسبق فرانسوا فيون على نيكولا ساركوزي وعلى رئيس الوزراء الأسبق الآخر آلان جوبيه الذي كانت عمليات استطلاع الرأي تتوقع طوال أشهر إمكانية فوزه على كل المرشحين الآخرين لخوض السباق الأخير في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وأما فرانسوا هولاند الرئيس الحالي، فإنه فاجأ الفرنسيين في بداية شهر ديسمبر عام 2016 عندما قال لهم إنه لن يترشح مجددا لأسباب عديدة أهمها تشتت أحزاب اليسار وكثرة عدد الطامعين في الحلول محله داخل صفوف اليسار وحتى داخل الحزب الاشتراكي الذي يتحدر منه والذين يدركون اليوم ألا أحد قادر منهم على أن يكون رئيس فرنسا المقبل إلا بمعجزة، وأمل هؤلاء الوحيد أن المعجزة ممكنة لأن العالم كان ينتظر مثلا ألا يصوت البريطانيون لقرار الانفصال عن الاتحاد الأوروبي في شهر يونيو الماضي فحصل العكس وأن تخلف هيلاري كلنتون باراك أوباما في البيت الأبيض، ففرض دونالد ترامب نفسه على الجمهوريين وعلى الناخبين وعلى العالم كله.