مؤسسة الحكم في المملكة استطاعت عبر تاريخها أن تبني نموذجاً فريداً في العلاقة الشعبية والأبعاد الثقافية، وشكل هذا التميز سداً قوياً وقف أمام الكثير من التحولات التاريخية في المنطقة والعالم.. تحتفل المملكة هذه الأيام بذكرى تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في بلد عرفه العالم بأنه ميزان دولي في ثلاثة عوالم أساسية (عالم الطاقة، والاقتصاد، والإسلام)، الملك سلمان هو الملك السابع للسعودية الثالثة، التي استطاعت عبر أكثر من ثلاثة قرون أن ترسخ نظاما سياسيا لا ينفك عنها حيث عادت لبناء كيانها السياسي لثلاث مرات متتالية استطاعت من خلالها أن ترسخ لها كيانا سياسيا مميزا ودورا مؤثرا محليا وإقليما ودوليا. المملكة العربية السعودية عبر التاريخ أنتجت نمطا سياسيا تبنى بكل سلمية وسلاسة تحولاتها السياسية والثقافية، ولقد كانت التحولات الثلاثة التي مرت بها المملكة درسا سياسيا كبيرا في صناعة مسار سياسي اندمج ثقافيا وسيسيولوجيا مع البنية الاجتماعية، فمؤسسة الحكم في المملكة استطاعت عبر تاريخها أن تبني نموذجا فريدا في العلاقة الشعبية والأبعاد الثقافية، وشكل هذا التميز سدا قويا وقف أمام الكثير من التحولات التاريخية في المنطقة والعالم. خلال السنوات الماضية تأثرت المنطقة العربية بأكملها بنتائج سياسية وآثار اقتصادية غيرت الكثير من السياسات في العالم العربي، هذه الحالة العربية لم يكن من السهل تجاوزها أو الانعزال عنها، فالمملكة بلد محوري في المنطقة ومتغير أساسي وثابت في سياسات دولية وإقليمية، ولقد قرأ التاريخ ذلك منذ زمن فقد كتب "فاسيلييف" في كتابه تاريخ "المملكة العربية السعودية" ما معناه: أن مكانة هذه الممكلة في العالم مؤثرة إلى درجة كبيرة ولها تأثير عالمي مرتبط باستقرارها سياسيا واجتماعيا. لم يكن أمام المملكة وهذه التحولات في المنطقة العربية والتغييرات العالمية سوى أن تمارس التزامها التاريخي كونها الدولة المركزية في المنطقة، وهذه الحقيقة ليست من صنع المبالغة، بل هي تجربة حقيقية، فالمملكة خلال السنوات الماضية لعبت هذا الدور باحترافية، ومع كل الآثار غير الإيجابية التي تم الحديث عنها ولم تحدث أو تلك التي حدثت بالفعل، إلا أن القرار السياسي السعودي كان منضبطا وحاسما، فحرب اليمن تجربة فريدة، ولكنها مهمة لمنع تحولات ثقافية وفكرية وطائفية كان من الممكن أن تحدث في جنوب الجزيرة العربية. محاولات إيران منذ قيام الثورة الخمينية كانت تبحث عن صياغة طوق طائفي يحيط بالجزيرة العربية بشكل يجعلها عاجزة عن التحرك، وأعتقد أن قرار إنقاذ اليمن وعاصفة الحزم كانت قرارا تاريخيا يحسب للملك سلمان، وسوف يتذكر اليمن أن عاصفة الحزم كانت القرار التاريخي الذي حمى اليمن من زراعة طائفية دقيقة عبر أهداف بعيدة في عمق -الميكرو سيسيولوجي اليمني- فالسياسة السعودية لم تكن لتقبل تحول خاصرة الجزيرة العربية إلى مسار يسهم في تحول عقدي يمكن أن يشكل خطرا على الإسلام وعلى دوله في الجزيرة العربية. خلال السنتين الماضيتين من عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، لم يكن القرار السياسي منفصلا عن السياسات الداخلية، فالتوازن بين المكونات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لعب دورا في هذه المرحلة، فللمرة الأولى تطرح المملكة رؤية إصلاحية شاملة كان هدفها تحقيق التوازن وبناء معادلة مفهومة تلبي حاجات الوطن وتتمشى بدقة مع تلك التحولات الدولية القائمة وخاصة في البعد الاقتصادي وتدرك السياسية السعودية بوضوح أن المشاركة الشعبية عامل مهم في مواجهة التحديات التي تجتاح العالم في كل الجوانب. السنتان الماضيتان من عهد الملك سلمان شكلتا نقلة نوعية في التاريخ السعودي الذي يدرك بعمق أنه حان الوقت للبدء في انطلاقة سياسية واقتصادية قادرة على التنبؤ بكل ثقة لمعايير الاستقرار والاستمرار، وهذا ما يتطلب التضحية والجدية والإصرار في الإطارين السياسي والاجتماعي وصولا للنتيجة التي تنتظرها الأجيال الجديدة.