اليوم تواجه اللغة العربية خطراً في عقر دارها الذي نزل فيه القرآن، ويسكن فيه العرب الذين بعث الله نبي الإسلام منهم؛ ذلك أن قيادها سُلّم إلى أهل الشارع من تجار وصُناع وباعة، فعاثوا فيها كيفما شاؤوا، يتمثل هذا العبث اللغوي فى التوسع فى استخدام اللهجة العامية واللغة الأجنبية.. احتفل العرب منذ أسبوعين باليوم العالمي للغة العربية، الذي يقع في اليوم الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، بحسب ما قررته منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو).. وتعد اللغة العربية أهم مقومات الهوية العربية، فهي فضلاً عن كونها اللغة التي نزل بها القرآن، فهي الوعاء الذي نقل إلى الأجيال المتعاقبة التراث الفكري والحضاري للأمة العربية، ما يعني خلودها خلود الأمة التي تتكلم وتتعبد بها، وقد كانت لغة العالم أيام السيادة العربية، إذ صيغت بها معظم العلوم والفلسفات والثقافات، عندما كانت الأمة العربية حاملة مشعل الحضارة الإنسانية. أما اليوم فتواجه اللغة العربية خطراً في عقر دارها الذي نزل فيه القرآن، ويسكن فيه العرب الذين بعث الله نبي الإسلام منهم؛ ذلك أن قيادها سُلّم إلى أهل الشارع من تجار وصُناع وباعة، فعاثوا فيها كيفما شاؤوا، يتمثل هذا العبث اللغوي فى التوسع فى استخدام اللهجة العامية واللغة الأجنبية، في أسماء المحلات التجارية وفي الإعلانات عامة، الأمر الذي سيؤدي في حال استمراره إلى أن تحل العامية واللغات الأجنبية محل العربية الفصحى.. فلا شك أن ضعف الانتماء للأمة العربية أدى إلى فقدان الثقة فى لغتها القومية بالتوجه نحو العامية واللغات الأجنبية. "يأتي في مقدمة نصوص الأنظمة والدساتير العربية أن اللغة العربية هي لغة الدولة، وهذا يعني أنها لغة السياسة، والاقتصاد، والتجارة، والتعليم، والثقافة، والإعلام، والعمل، وأنها اللغة التي يجب على جميع المواطنين والمقيمين التعامل بها في جميع المؤسسات الحكومية والأهلية، وفي الأسواق والطرقات وفي أي مكان يعمل أو يلتقي فيه الأفراد ويتواصلون فيما بينهم، وذلك لأن اللغة رمزٌ للسيادة والوطنية والانتماء والهوية، وأيُ خلل أو ضعف أو تهاون فيها يعد اعتداء على النظام، وخرقاً للقانون يجب أن يحاسب عليه كل من اعتدى أو اجترأ على إضعاف اللغة العربية أو تهميشها، أو استهان بأنظمة الدولة وقوانينها التي تنصّ على احترامها"! إن فرض القواعد القانونية أو الأنظمة، تعني أن عدم احترامها يجب أن يؤدي إلى العقاب، وإلى فرضها بالقوة، وإلى إبطال ما يخالفها. فهناك علاقة جدليّة بين النصّ والواقع، أو بين المعيار والاستعمال، فالمعيار هو المثال الحاضر في النصّ، والاستعمال هو تطبيقه في الواقع. لكنّ الاستعمال في بلادنا يشي بعدم احترام المعيار، فما زالت شوارعنا وأسواقنا ومؤسساتنا تعج بمخالفات لغوية صريحة، في انتهاك صارخ لحرمات اللغة، واستهانة بما صدر من توجيهات بضرورة استخدام العربية الفصحى، وذلك في أسماء المحلات والأسواق التجارية، والإعلانات، سواء في ذلك ما ينشر في الصحف، أو ما يوزع من نشرات على البيوت، أو ما يعلق في الشوارع، أو ما يبث في اللوحات الإلكترونية. وكانت وزارة الشؤون البلدية والقروية، قد أصدرت عدة توجيهات منذ العام 2006 وحتى العام 2012 (حسب ما نشر في الصحف) بشأن استخدام اللغة العربية في الإعلانات، وأسماء المحلات والمراكز التجارية، وعلى الرغم من استخدامها في تلك التوجيهات اشتقاقات مادة (لزم) التي تراوحت بين (تلزم وإلزام وإلزامية والتزام) - ومن ذلك: (وزارة الشؤون البلدية تلزم المحلات التجارية بكتابة الأسماء باللغة العربية)، و(إلزام الأمانات باعتماد اللغة العربية على جميع لوحات المحلات)، و(اللغة العربية إلزامية على اللوحات واللافتات)، و(أمين جدة يوجه بالالتزام بالمسميات العربية في تسمية المحلات التجارية)، وكل هذه الاشتقاقات تدل على وجوب تنفيذ الشيء بحذافيره.. أما أمانة منطقة عسير فكانت (تشدد على ضرورة كتابة أسماء المحلات التجارية باللغة العربية)- إلا أنه لم يلتزم أحد بتلك التوجيهات الملزمة! وهنا نتساءل: أليست أمانات وبلديات المدن هي من يوافق على تلك الأسماء، وهي التي تسمح بنشر الإعلانات في الميادين والشوارع؟ وماذا عن وزارة التجارة أو الاستثمار التي وضعت نظاماً للأسماء التجارية نصت مادته الثالثة على "يجب أن يتكون الاسم التجاري من ألفاظ عربية، أو معربة، وألا يشتمل على كلمات أجنبية، ويستثنى من هذا الحكم أسماء الشركات الأجنبية المسجلة في الخارج، والشركات ذات الأسماء العالمية المشهورة، والشركات ذات رأس المال المشترك التي يصدر بتحديدها قرار من وزير التجارة"! وكانت وزارة التجارة والاستثمار قد أعلنت أنها ستبدأ اعتباراً من 1/1/1434ه في ضبط مخالفات عدم التقيد باستخدام اللغة العربية في البيانات التجارية، وأن عقوبة ذلك تصل إلى (100.000)، وعند تكرار المخالفة تضاعف الغرامة، ويغلق المحل سنة كاملة، لكن ذلك الوعيد لم ينفذ على أرض الواقع.