أرجو ألا تستغرب من استحواذ تفاصيل حياة الفنانة مريم حسين على اهتمام كثير من السعوديين في تويتر وسناب شات وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، فهذه طبيعة عصر الإلكترون الذي نعيش فيه، والذي يمنح القيمة لكل ما هو آني وسريع وهش وتافه، حتى أصبح خبر زواجها وحبها وطلاقها أهم من أخبار الفن الحقيقي، بل أهم حتى من الأخبار التي تتعلق بواقع الناس ومعاشهم. فلا تحزن أيها العزيز عندما يحاورك رجل عاقل بالغ بحماس كبير عن هذه الفنانة، أو غيرها من نجمات ونجوم الإعلام الجديد، ويروي لك تفاصيل حياتها الشخصية وكأنها قضية الكون. هذا هو الواقع الجديد ولابد أن تقبله على علاّته، وهو ليس حكراً علينا بل موجود في أميركا أيضاً وبدرجة أسوأ، ويكفيك أن شهرة كيم كارديشيان أعلى بكثير من شهرة المبدعين الأميركيين الحقيقيين. ولاشك أنك ستسأل: أليس لهذا الجمهور اهتمامات أكبر وأرقى؟ وكيف يستوي الكبير والصغير، والعالم والجاهل، في المتابعة الحثيثة لمشهورٍ لا يمتلك أي إنجاز يذكر سوى أنه مشهور؟ وهنا سأتدخل وأقول لك مجتهداً بأن هذه حال الجمهور مع المشاهير منذ اختراع السينما قبل 120 سنة وحتى اليوم، حيث شكلت "صورة النجم" سحراً لا يقاوم؛ وبريقاً جذاباً امتلك أفئدة الملايين واستحوذ على عقولهم. كان النجم في العصر الذهبي للسينما أشبه بكائن أسطوري لا يظهر للناس إلا عبر شاشة صالة السينما، وعلى فترات متباعدة، وكانت صورته زاهية براقة، فلا يعرف الناس عنه سوى ما يرونه داخل الشاشة، وكان الحكم عليه ينطلق من الإنجاز الفني أولاً؛ بأدائه وحضوره ثم في قيمة الفيلم الذي يشارك فيه. إلى أن انطلقت صحافة "المشاهير" استجابة لرغبة الناس بمعرفة الحياة الخاصة للنجوم، فتحولت العلاقة من الجانب الفني إلى الجانب الشخصي. ومع ذلك فقد ظلت صورة النجم خاضعة لإدارة جهات عديدة، من الأستوديو الذي ينتج أفلامه إلى مدير أعماله، بل حتى وسائل الإعلام المرتبطة بنظام الإنتاج بمصالح متبادلة. وإلى ما قبل عصر الإنترنت كان النجم يظهر للناس بصورة براقة يتحكم فيها المحيطون به، وكان عمله ومنجزه الفني هو الوسيط الرئيسي بينه وبين الجمهور، حتى جاء الإنترنت فأصبح التواصل مباشراً بين الطرفين، ولم يعد النجم بحاجة إلى جهد كبير لكي يصل للشهرة، ولا يحتاج إلى صنع فيلم أو مسلسل أو أغنية أو أي إبداع من أي نوع لكي ينال اعتراف الناس ومتابعتهم. وقد تأثر النجم التقليدي بهذا الواقع الجديد بعد فقده لكل الدوائر التي كانت تحميه، واتضح بأن جاذبيته السابقة مصنوعة وأن مظهره وأسلوبه وحياته ليست مغرية على المتابعة، ممهداً الطريق لنجوم جدد لم يقدموا أي إنجاز سوى جاذبيتهم الشخصية. لقد تكسرت على مدى عقود كل الحواجز التي تحيط بالحياة الشخصية للنجم والتي كانت تقف حائلاً دون توغل الناس فيها. وأصبح "الموبايل" بتطبيقاته المختلفة، نافذة لحظية مباشرة وسريعة يتلصص من خلالها "الفانز" على حياة المشاهير، فتغير نتيجة لذلك سبب المتابعة والإعجاب من المنجز الفني إلى الجاذبية الشخصية، فأصبح "شكل" النجم، وأسلوبه في الحديث، وطريقته في التفكير، وطبيعة اهتماماته، أسباباً حاسمة للفوز بملايين المتابعين. لذلك نرى اليوم جمهوراً كبيراً يتابع حليمة بولند ومريم حسين وعبودي وأبو جركل، ونجوم "زد رصيدك" أيضاً، رغم أنهم لم يقدموا أي إنجاز يذكر، لا فني ولا إنساني، وكل ما يملكونه هو جاذبيتهم الشخصية وقدرتهم على نقل تفاصيل حياتهم اليومية المبتذلة بطريقة عفوية تلقائية تجعل المتابع يشعر كما لو أنه صديق حميم لهم. أقول لا تحزن أيها العزيز لأن الشغف بالمشاهير موجود منذ القدم، والذي اختلف الآن أن النجم لم يعد ذلك الفنان المبدع السابق الذي كان مضطراً للاجتهاد والبحث عن الإنجاز الفني رغبة في الوصول للناس، بل تحول إلى مجرد شخص جريء يمتلك كاريزما خاصة ومستعد لكشف تفاصيل حياته الشخصية على الملأ. وإذا كان العمل الفني الإبداعي قد خرج من معادلة الشهرة مؤخراً، فإن هذا ليس ذنب الجمهور الشغوف بمعرفة تفاصيل طلاق مريم حسين، بل ذنب الجهات المسؤولة عن الثقافة والفنون التي استسلمت لهذا الواقع المضاد للفن وتركت الناس بلا اهتمامات راقية تشغلهم قليلاً عن ملاحقة النجوم الفارغين.