غونغ لي هي النجمة السينمائية الأولى في بلدها الصين منذ مطلع التسعينات، وهي أيضاً إحدى أجمل نساء العالم، حسب مجلة «بيبول» الأميركية الشهيرة، إضافة إلى كونها من سفيرات دار «لوريال» الفرنسية لمنتجات التجميل، مثل النجمات إيفا لونغوريا وأندي ماكدويل وليتيسيا كاستا وكلوديا شيفر. ولدت غونغ لي في عائلة ضمت خمسة أطفال هي أصغرهم، وحلمت منذ صباها بأن تتعلم فن الغناء كي تصبح مغنية أوبرا كبيرة، لكنها فشلت في امتحان دخول المدرسة التي تتخرج منها مغنيات الأوبرا الصينيات، فاتجهت نحو تعلم التمثيل وتفوقت فيه لتحصل فور تخرجها من معهد الدراما على دور أول في فيلم أخرجه زانغ يي مو. لكن مفاجأة كانت بانتظارها، فقد وقع المخرج في غرام ممثلته، مثلما يحدث في كثير من الأحيان، وتزوجها، الأمر الذي سهل عليها العمل بلا شك وفتح أمامها باب النجومية في بلدها نظراً الى جودة أعمال يي مو الذي لم يبخل عليها ببطولة كل أعماله إضافة إلى قيام غيره من المخرجين بتعيينها أيضاً في أفلامهم. في منتصف التسعينات فازت غونغ لي بجائزة أفضل ممثلة في مهرجان البندقية عن دورها في فيلم «كي جو». وعقب ظهور فيلم «الوداع يا عشيقتي» من بطولتها أيضاً، اعتبرها كثيرون من النقاد والسينمائيين أفضل ممثلة على قيد الحياة في تاريخ الفن السابع. انفصلت غونغ لي عن زانغ يي مو في 1996 وتزوجت بعد ذلك من رجل أعمال سنغافوري وحصلت على جنسية شريك حياتها الجديد متنازلة عن الجنسية الصينية بسبب عدم قبول الصين لحمل مواطنيها جنسية ثانية، الأمر الذي لم يمنعها من مواصلة نشاطها الفني بالرواج نفسه إلى درجة أن فرقة «ريد هوت شيلي بيبرز» الموسيقية الأميركية المعروفة أطلقت أغنية تحمل اسمها وتصفها كملكة جمال لا تقبل المنافسة. في مطلع الألفية الحالية تغيرت مسيرة غونغ لي الفنية حينما وافقت، للمرة الأولى، على تولي البطولة النسائية في فيلم هوليوودي هو «رذيلة ميامي» إلى جوار كل من النجمين جيمي فوكس وكولين فاريل بعدما كانت اشتهرت برفضها المباشر أي عرض سينمائي غير صيني. وهكذا تحولت الفنانة الآسيوية المحلية ذات الشهرة العالمية إلى نجمة تظهر في أفلام أميركية، متقاضية أعلى أجر حصلت عليه ممثلة صينية في التاريخ (عشرة ملايين دولار عن الفيلم). جاءت غونغ لي إلى باريس لحضور حفلة افتتاح مهرجان الفيلم الصيني الذي اختارها ضيفة شرف إلى جانب النجم ألان ديلون، فالتقتها «الحياة» وحاورتها: ما هي أهمية انعقاد مهرجان للفيلم الصيني في باريس؟ - أعتقد أن أهمية هذا المهرجان مشتركة، بمعنى أن المناسبة تسمح للصين بالترويج لأفلامها الجديدة، خصوصاً لمخرجيها الحديثين، بينما تكتشف باريس سينما آسيوية من نوع مختلف عن ذلك الذي اعتاد الجمهور الغربي مشاهدته، وترغب بالتالي في اقتناء بعض هذه الأعمال وتوزيعها في فرنسا، وأيضاً في بلدان أوروبية أخرى، بما أن هناك العديد من الموزعين الأوروبيين قدموا لحضور المهرجان. ماذا تعنين بسينما آسيوية من نوع مختلف؟ - أعني أن الجيل الحديث من السينمائيين الصينيين أخذ يبتعد عن الأفلام التقليدية التي تروي حكايات حول التاريخ الصيني، وكذلك عن لون المغامرات المبني على الرياضات الآسيوية. وتعرف الصين في الفترة الحالية موجة سينمائية جديدة مثل تلك التي عرفتها فرنسا في ستينات القرن العشرين. وما هي المواضيع إذاً التي صارت السينما الصينية تتناولها؟ - قصص الحب، التي تدور في الزمن الحالي والتي يعاني أبطالها من الأوضاع الاجتماعية الراهنة، حتى يشعر المتفرج بأنها تمسه عن قرب. فمهما كانت الحكايات التاريخية جميلة وجديرة بالاهتمام، لا بد في وقت ما من أن يمتزج الفن عامة، لاسيما السينما، بالواقع الآني. وهل تنجح هذه الأفلام في الصين؟ - نعم، وهي تلاقي الرواج الكبير، الأمر الذي يدل بوضوح على حاجة الجمهور الماسة إليها. قيم راسخة وما هو تأثير زانغ يي مو مثلاً، الذي اكتشفك أساساً، وغيره من السينمائيين الذين صنعوا أمجاد السينما الصينية، على هذه الموجة الجديدة؟ - إنه موجود بلا أي شك، ويتلخص في الثقافة السينمائية التي يتمتع بها الجيل الجديد من السينمائيين، وهو جيل نشأ وترعرع في ظل هؤلاء الذين رسموا هوية السينما الصينية ووضعوا حجر الأساس الخاص بها، فمهما كانت المواضيع التي تتناولها السينما الحديثة مختلفة عن تلك التي حبذها الجيل السابق من المخرجين، نعثر على قيم راسخة مشتركة بين الاثنين مبنية على تمسك الشعب الصيني بماضيه، حتى إذا اعتمد الحداثة والتغيير الإيجابي في تأقلمه مع العولمة الحالية. وهناك أيضاً التأثير الملموس من الناحية التقنية، مثل الألوان واستخدام الكاميرا والتركيب، ومن الواضح لكل من يشاهد الأفلام الصينية الجديدة، أن المخرجين لم يكسروا بعد القالب القديم في ما يخص هذه العناصر. هل تشاركين في أفلام يخرجها سينمائيون من الجيل الجديد؟ - نعم طبعاً، ويعرض المهرجان أحد هذه الأفلام، وهو «ما الذي تريده النساء». أليس الفيلم إعادة للعمل الأميركي الذي يحمل العنوان نفسه ومن بطولة ميل غيبسون؟ - نعم ولا في الوقت نفسه، بمعنى أن الحبكة هي ذاتها إلا أن الأحداث صارت تدور في الصين، وبالتالي تتسم بعقلية آسيوية لا علاقة لها بالأميركية، فقد تم التعديل في السيناريو إلى درجة أنه أصبح لا يشبه الأصلي بالمرة سوى في الخطوط العريضة جداً. تحرر المرأة هل هذا ما يفعله الجيل الجديد إذاً، مجرد نقل الأفلام الهوليوودية؟ -لا، لا أبداً، وكل ما في الأمر بالنسبة الى فيلم «ما الذي تريده النساء» هو أن حبكته تناسب المجتمع الصيني في وضعه الحالي، نظراً الى تحرر المرأة في ميادين عدة، لذا كان من المناسب جداً أن ينقل هذا السيناريو إلى الشاشة لكن في حلة صينية بدلاً من عرض النسخة الأميركية منه، والتي لا علاقة لها بالعقلية الصينية. أنت ذات جمال أخاذ، وكثيراً ما تستخدم السينما الصينية جاذبيتك بطريقة «ملائكية» في أفلام مبنية على حكايات رومانسية، بينما أديت شخصية الشريرة تاجرة المخدرات في فيلم «رذيلة ميامي» الهوليوودي، فأي لون تفضلين؟ - أنا مسرورة جداً لكوني مثلت دور شريرة واستطعت من خلاله تقديم الدليل، لنفسي أولاً ثم للجمهور، على قدراتي الدرامية المتنوعة، ما لا يعني أنني أتمنى التخصص في الشخصيات السلبية أبداً. وما أحلم به بصراحة هو عمل فكاهي أمثل فيه دور بهلوانة أو امرأة تثير الضحك بتصرفاتها الغريبة، وإذا فعلت ذلك سأنجح في كسر صورتي المبنية إلى حد كبير على حكاية جمالي «الملائكي»، خصوصاً في آسيا. أنت النجمة الأولى في الصين، وهذا أمر لا يستهان به إذا نظرنا إلى عدد سكان هذا البلد، فكيف تعيشين هذا الوضع؟ -الجمهور الآسيوي، من صيني وياباني وهندي، يشبه العربي، حسب ما أعرفه، في تعامله مع نجومه، إنه مجنون بهم، بمعنى أنه يعيرهم أهمية بالغة تفوق كل ما يعرفه الغرب في هذا الميدان، وأقصد بكلامي أنني لا أستطيع التواجد في مكان عام، في مطعم أو متجر، من دون أن أحتاج لرعاية الشرطة لمجرد أن تظاهرات الحب والتقدير عند جمهوري العزيز قوية وحارّة إلى أبعد حد. أنا لا أشكو هذا الشيء، بل على العكس، أقدّره وأتخيل أن أي ممثلة في الدنيا تحلم بأن تجد نفسها محاطة بحشود ترغب في مخاطبتها بكلمة واحدة هي «أحبك»، لكن الأمر يمكنه أن يؤدي إلى حوادث غير مستحبة، فالذي يحدث هو ترددي فقط إلى أماكن يقصدها النجوم وعلية القوم، وهذه خسارة، لأنني أحب الاختلاط بالناس، لكن ليس بهذا الشكل. وفي النهاية أفضل هذا النمط المعيشي على برودة المشاعر في الغرب مثلاً. ما رأيك في كون ألان ديلون ضيف شرف المهرجان إلى جوارك؟ - هذا شرف كبير أعتز به، نظراً إلى أن ألان ديلون من أكبر النجوم السينمائيين في العالم كله، وشعبيته في آسيا تتعدى شعبية أي فنان محلي مهما كانت نجوميته. هل تمكن مقارنة أجرك في الصين، كنجمة كبيرة جداً، بما تتقاضينه في هوليوود؟ - لا طبعاً، فالدور الصغير الحجم في هوليوود يجلب لصاحبته أكثر مما أتقاضاه عن بطولة مطلقة في الصين، لكنني لا أشكو من ذلك، فلكل بلد إمكاناته من هذه الناحية، والفيلم الصيني مهما نجح لا يوزع في العالم كله مثل الهوليوودي، والمسألة بالتالي تظل نسبية.