مفردة "جَفختْ" من مفردات المتنبي الغريبة التي رفضها النقاد، وذكر أبو هلال العسكري في (الصناعتين) أن الشاعر "أشمت عدوه بنفسه" حينما استخدم هذه الكلمة التي يوجد لها بدائل مما "يعرفه الكبير والصغير، ولا يحتاج إلى تفسير". كذلك أنكر البديعي استخدام المتنبي لهذه الكلمة ورأى أن اللوم يقع عليه مضاعفاً لاستخدامه لها مع وجود خيارات أفضل، وقال تعليقاً على ورود هذه الكلمة في أحد أبيات الشاعر: "ولفظة الجفخ مُرّة الطعم إذا مرَّت على السمع اقشعر منها، ويا لله العجب أليس أنها بمعنى فخرت، وهي لفظة حسنة رائقة، ولو وضعت في هذا البيت موضع جفخت لما اختل شيء من وزنه، فأبو الطيب ملوم من وجهين: أحدهما أنه استعمل القبيح، والآخر أنه كانت له مندوحة عند استعماله فلم يعدل عنه". لم يُنتقد المتنبي في هذا الشاهد لأنه أخطأ، بل لأنه عدل عن استخدام الأجمل إلى الأقبح، وهناك نماذج كثيرة انتُقد فيها الشعراء لهذا السبب، فالشاعر يبدأ في الإبداع وأمامه كثير من الخيارات التي تناسب موضوع قصيدته، لذلك من الأفضل له أن يتجنب "الألفاظ المرّة" كما يصفها العميدي وأن يختار الأحلى والأجمل. في الأيام الماضية كتب الزميل محمد سعود في (عكاظ) موضوعاً تحت عنوان (آخر صرعات الشيلات اللعن بدون موسيقى"، ينتقد فيه "شيلة" كتب كلماتها أحد الشعراء وورد في أحد أبياتها لعن "الغياب" بعبارة: "الله يلعن أمه"، وبعد ذلك قرأتُ دفاع الشاعر عن استخدامه للعبارة وحشده لشواهد شعرية لشعراء معروفين وردت فيها عبارات اللعن، ويحتج بتلك الشواهد لتبرير استخدامه لعبارة اللعن. هذه حالة من حالات كثيرة يُدافع فيها الشاعر عن اختياره ويحتج بأبيات زملائه الشعراء، مع أن وقوعهم في الخطأ شيء وارد وغير مستغرب. لا يستطيع أي شخص مُصادرة حرية الشاعر في اختيار ألفاظه وتراكيبه وصوره الشعرية، لكن ينبغي للشاعر أن يبتعد –قدر الإمكان-عن كل ما من شأنه إفساد نصه أو تقليل متعة تذوقه لدى المتلقين، كما يجب عليه الابتعاد عن الكتابة بلغة هابطة بدعوى الكتابة بلغة الشارع، وكذلك الابتعاد عن الكتابة بلغة صعبة ومغرقة في غموضها بدعوى النخبوية. وأعتقد أن أمام الشاعر خيارات لا حصر لها تتيح له التخلي عن تمسّكه باستخدام ألفاظ غريبة: مثل "جفخ" وأخواتها، أو استخدام عبارات قد لا تتقبلها فئة من المتلقين إمّا لأنها غير لائقة، أو لأن المتلقي يُفضل عليها ما هو أجمل وأرقى وأكثر ملاءمة للغة الأدب. أخيراً يقول عطا الله ممدوح: آسف على كل "أحبك" قالها لساني ولا لقت في سواحل خافقك مرسى آسف على شانك وآسف على شاني مْن الدمعة الناطقة ل الدمعة الخرسا وإن كنت تقدر على نسياني إنساني أنا وقلبي أكيد بنكبر وننسى