حلب مدينة عربية تباد اليوم وتدمر وتذبح من الوريد الى الوريد علنا وعلى مرأى ومسمع من المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الامن وكل المنظمات الحقوقية في العالم دون ان يحرك احدا ساكنا من اجل انقاذ هذه المدينة التي ظلت على مدى التاريخ تعتز بإرثها الحضاري وهويتها العربية والإسلامية وكأن هذه المدينة تقع خارج هذا الكوكب او ضمن المجموعة الشمسية ولا تنطبق عليها وعلى اهلها مظلة الحماية المنصوص عليها في القوانين والمواثيق الدولية التي تجرم بشاعة الجريمة التي تمارس بحق سكانها وأطفالها ونسائها الذين تتساقط عليهم القذائف والبراميل والصواريخ من كل حدب وصوب ويجري خنقهم بحصار متعدد الاشكال والأطراف من قبل غرباء اتى بهم نظام الاسد الديكتاتوري لاستباحة تلك المدينة التي اختارت ان تقف في وجه عبث الحاكم المتسلط الغارق في التبعية والجهل الموغل في الخطاب الطائفي المقيت. منذ سنوات عديدة وقفت حلب التي تعد اكبر المحافظات السورية من حيث تعداد السكان واكبر مدن العرب في بلاد الشام وحيدة في مواجهة اعمال الابادة والتقتيل والتشريد التي اندفعت في اتجاه افراغها من سكانها عبر حملات متكررة من التصفية والعنف الممنهج الذي دمر معظم بنيانها وشرد غالبية سكانها قبل ان يفرض عليها معركة الجدار الاخير التي تتهددها بالفناء والزوال واللافت حقا ان هذه المأساة بكل كارثيتها لم تكن خافية على القوى المتحكمة في مفاصل القرار الدولي وسطوة الفصل السابع في ميثاق الاممالمتحدة بل إن فصول هذه الكارثة قد اعلنت عن نفسها للمرة الالف وكانت كل القوى الفاعلة على علم بمساراتها المتلاحقة حتى اللحظة إلا ان تلك القوى قد اظهرت بمواقفها المترددة وصمتها المريب ان القيم الانسانية اضحت بالنسبة لها تقاس بترمومتر المصالح وان مواقفها تحت لافتة هذه المصالح هي من تحكم تحركاتها كما افصح عن ذلك الموقف الامريكي والأوروبي حيال مأساة حلب والذي غلبت عليه الازدواجية والنفاق المكشوف والصراخ الاعلامي الذي لا ينبئ عن ارادة واضحة او منطق حازم ينتصر لثوابت الضمير العالمي الجمعي والقيم الانسانية التي تعزف على انغامها سيمفونيات منظمة الاممالمتحدة التي لم نراها ترفع اشارة حمراء جادة لإيقاف نزيف الدم والأخطار اليومية الداهمة التي تجتاح حياة الملايين من الحلبيين بل على العكس من ذلك فقد عمدت تلك المنظمة بمواقفها المتخاذلة الى تبييض اسوأ جريمة يشهدها القرن الحادي والعشرين. قبل ايام كتب روجر بويز في صحيفة تايمز البريطانية مقالا عن المأساة المروعة التي تحيق بمدينة حلب السورية وسكانها مستغربا تجاهل الغرب لهذه المأساة التي تنذر بطمس تلك المدينة من الوجود وبالذات في ظل الشلل الذي اصاب القيادة في الولاياتالمتحدة في الايام الاخيرة بسبب انشغالها في الاستعدادات للانتخابات القادمة ورأى ان الغرب قد لا يفيق إلا حينما يكون الوقت قد فات وتصير المدينة خاوية على عروشها او سويت بالأرض وهذا معناه نهاية النفوذ الغربي في كل انحاء الشرق الاوسط. يشير البعض الى ان مستقبل سوريا معلق بما ستؤول اليه الاحداث في حلب وهذا القول لا يجافي الحقيقة لذلك نجد روسيا هي من تراهن على حسم المعركة وإسقاط هذه المدينة ولو ادى ذلك الى ابادة وسحق كل من فيها بعد ان ادرك فلاديمير بوتين ان احلامه في تأمين موطئ قدم لبلاده على شواطئ المياه الدافئة في البحر الابيض المتوسط مرهون بحسم المعركة في حلب مهما كانت النتيجة وجوهر الكارثة ان الغرب وحتى هذه اللحظة لم يع تماما ان بوتين الذي يجاهر صراحة بأنه من يسعى الى ايجاد عالم متعدد الاقطاب يبني كل حساباته على تغيير قواعد اللعبة انطلاقا من مدينة حلب التي تحول الصراع فيها الى نمط من انماط الحرب الباردة. يجب ان نعترف انه لولا الانقسام العربي لما جرى كل ما جرى في سوريا من تدمير ممنهج ولولا انسلاخ بعض الانظمة العربية عن ثوابت الامة لما امكن للأسد استدعاء روسيا وإيران ومليشيات حزب الله لسحق وقتل الشعب السوري وانه ايضا ولولا تواطؤ الغرب ونفاقه تجاه تلك الحرب التي يخوضها نواة تحالف دولي لما تسنى لهذا الحلف ارتكاب تلك الخروقات الفاضحة في مدينة حلب وغيرها من المناطق السورية مدفوعا بالرغبة لاسترداد موقع او جزء من موقع في شريحة القيادة الدولية. من الثابت والواضح انه ودون تحرك عربي فعال وسريع للوقوف على ما يعتمل من صراع في مدينتين عربيتين هما حلب والموصل من قبل الغرباء فإن منطقتنا ستكون ساحة مناسبة من اقصاها الى اقصاها لسباق دولي جديد سنكون نحن من يدفع ثمنه ومن الواقعية السياسية ان لا يسلم العرب بان كل شي قد انتهى خصوصا وان مازال بوسعهم التحرك وإرسال رسالة الى المتصارعين على ارضهم بان امعانهم في هذه اللعبة سيضع الشرق الاوسط والمستقبل الاقليمي في هذه المنطقة الحساسة على بركان متفجر ستكون تأثيراته على كل مكونات النظام العالمي الذي سيختل استقراره بمقدار اختلال ميزان القوى في هذه المنطقة.