يشهد المجتمع الإنساني تحولاً كبيراً في كل بيئة اتصالية محلية كانت أم دولية. ولكنها على المستوى المحلي أسهل للملاحظة بسبب قرب المشارك ومعرفته بمنظومة القيم وما يصيبها من خلل. ولعل الخلل السلوكي هو أبرز خلل يصيب من يخرج لبيئة الواقع المعاش وهو لا يزال في واقعه الافتراضي.. ويستطيع من يتابع البرامج الشبابية عن وسائل التواصل الاجتماعي التي تعرض على شاشات الفضائيات الجماهيرية أن يشاهد ما أقول. فهناك من يخرج علينا بأزياء يخجل المرء أن يخرج بها في الحي فكيف على الملأ. وهناك من لا يعرف قواعد الجلوس ووضع القدم. والطامة الكبرى تكمن في سوء استخدام المفردات أو التلميحات بلغة لا تليق. ولذلك لا نستبعد أن يصدر منهم أي تصرف يعتمد على أساليب التواصل الاجتماعي. ف"السليفي" أصبح قاعدة لرسائل تتكون منها سلوكيات غير مقبولة.. فهل نحن بحاجة إلى تعليم منظومة من الأعراف والتقاليد والنظم، بل وحتى القوانين التي تحافظ على قيم المجتمع وخصوصية أفراده. فبعض "الفاشينيستا" مثلا لا تعرف تبعات مخالفة التقاليد التي تقود إلى عقوبة مجتمعية. لذا، أعتقد أن بعض السلوكيات الشبابية قد بدأت بالانفلات من عقال العرف والتقاليد المجتمعية وقد تقود مستقبلا إلى جرائم اتصالية متعددة بسب سوء الفهم وقد يكون من بينها دفاع عن شرف. ونعرف من تجارب الماضي كيف أن انفتاح المجتمع لا يعني طمس الهوية، وأن التصرفات المقبولة في دوائر الخصوصية لن تكون مقبولة بأي حال من الأحوال في بيئات المجتمع المختلفة.. فعلى سبيل المثال كم من شاب دخل في صدام مع عضو هيئة تدريس في المدارس والجامعات بسب هذا الخلل في عدم التوافق على تعريف الموقف.. فهذا يرى في سلوكياته حرية، والآخر يراها بعين الاستهتار بالمؤسسة التعليمية. ويقال الأمر نفسه على بقية المؤسسات، حيث أصدرت الأوامر بعدم الدخول بملابس غير مقبولة مجتمعيا.. بل وحتى في الأسرة التي أصبح بعض أفرادها يتذمرون من مثل هذا الخلل.. فما العمل؟ الجواب يكمن في إبراز الكامن في الثقافة وجعله ينطق بالموقف والعقوبة. فالشباب عندما يمارس سلوكيات مستفزة للكبار يجب تعليمه قبل لومه. وهنا نعرف أين يكمن سر هذا الجهل بأعراف المجتمع حتى للقادم من الخارج.. فهذا جيل يقرأ؛ ولكنه لا يقرأ الطالع الثقافي، ففك رموز الغموض في الثقافة ليس من مهماته.. فهي مهمة مجتمع بأكمله، وحتى لا يغضب جيل من جهل جيل آخر.. فعجب المرء بنفسه هو أحد حساد عقله.