سألتني إحدى الموظفات القديمات بالعمل ممن ناهزت الستين عاما: ماهي أهم إجراءات التقاعد كي ُأنجز وأُنهي إخلاء طرفي دونما تأخير؟ فقلتُ لها ببراءة ونقاء ضمير: هُناك لائحةٌ مُرقمةً ومعنونةً بالجهات المطلوبة داخل مقر العمل وعلى أساسها تنطلقين لها بتلك الورقة وتُنهين أموركِ بسلام. لكن يا عزيزتي لا تنسي في غمرةِ انشغالك بإخلاء الطرف أن تُسلمي كل ما على مكتبك من أوراق وأقلام وأحبار وقرطاسية، وكل أدواتٍ مكتبيةٍ لا تخصك، وتخص العمل اتركيها وسلمّيها لهم، أعلم أنها ليست من ضمن العُهد وليست ُمدونة عليك، ولكن إياكِ أن تعودي لبيتكِ الجميل بإخلاء الطرف وفي جُعبتكِ قلمٌ أو مِمحاة أو أظرف تخص العمل.! صدقيني قد تظنين ألا غضاضة ولا مشكلة في أخذ قلم لا تتجاوز قيمته ريالا أو ريالين أو ورق تصوير أو ورق ملاحظات، لكن لو فكرت قليلا أن حِبر القلم الذي تكتبين به أشياءك الشخصية ليس من حقك وأنه مخصص لكتابات وخطابات العمل وأنك ستُسألين عنه يومَ الحسابِ لأعدتي حِساباتك! الُمضحك المبكي في الأمر أن بعض الموظفين والموظفات يحمل معهُ أقلاماً وكمًا من الأظرف والأوراق لمنزله من ثم يستخدمها لأغراضه الشخصية ويوزع الباقي على أولاده والبنات مُستسهلاً الأمر وكأنه شيء عادي! نظرت إليّ تلك الزميلة وهي تكاد تنفجُر ضحكاً وقالت: يا الله كم أنت طيبة وبريئة بل وساذجة! قلت لها لماذا بالله عليكِ ما الخطأ في كلامي؟! فابتسمت وقالت: تتحدثين عن قلمٍ وحبرٍ وأوراقٍ وممِحاةٍ وأنتِ لا تعلمين أن هناك من خان الأمانة وسرق وهو على رأس العمل وعلى أعتاب التقاعد ألوفا وملايين، وسيارات وطابعات وأجهزة حاسوب ومن فتح مكتبةً خاصةً من المستودع الذي كُلف بحراسته، مكتبةً باع فيها ورق الطباعة والأقلام والأجهزة رغم أنهُ مؤتمنٌ عليها إلا أنه سرق أكثرها لنفسه! قلت لها أعلم أن هناك من يسرق وينهب ولا يراعي الله فيما تحت يده من الأمانة ولم يخفِ الله في راتبه، وسوف يُحاسبهم الله حساباً عسيراً غير يسير، على كُلِ نقطةِ حبر أو ورقةٍ بيضاء أخذوها بغير وجه حق وهُم يحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم!! لاتخافي ياعزيزتي فاللهُ للسارقين والظالمين وخائني الأمانة بالمرصاد. يُمهلهم ومن ثمَ يأخذهم أخذ عزيزٍ مُقتدر !! وياقلب لا تحزن!! آخر الكلمات: الغِنى الذي تنقصهُ البركةُ فقرٌ آخر.. والفقر الذي تُزينهُ البركة غِنىً آخر.. المال الذي جُمع من حرام على مدار سنوات، يستطيع الله أن يجعلك تدفعهُ في يومٍ واحد.. لهذا لا تبحث عن الكمية بل عن النوعية، إذا كان الحلال سيذهب، فالحرام سيذهب وأهلهُ.. وتذكروا دوماً.. ليس للأكفان جيوب، كل ما جمعتهُ من حلالٍ وحرام ستتركهُ خلفك يتمتع بهِ من بعدك وتُحاسبُ عليهِ وحدك! وأيُما لحمٍ نبت من حرامٍ فالنارُ أولى بهِ.. (أدهم شرقاوي).