لم أجد ما يُعبّر عن مشاعري من كلام لأفتتح به حكاية اليوم غير استعارة المقولة الشهيرة المتداولة: "سأل الممكن المستحيل أين تقيم؟ فأجاب: في أحلام العاجز". فقد كانت أحلاما في يومٍ من الأيام، ثم تحققت على أرض الواقع بفعل عزيمة الرجال. الحكاية باختصار تقول ان أرض بلادنا يوجد فيها من الثروات المتنوعة التي انعم الله بها علينا غير البترول، ولسبب أو لآخر لم نستغلها الاستغلال الأمثل، ثم أتى الوقت المناسب لنجدها في انتظار الهمّة والقرار. الكلام التنظيري سهل في قول: طيب يوجد في رمالكم، وجبالكم، وبحاركم ثروات يتمنى الكثيرون وجودها لديهم فلماذا تأخرتم في استثمارها؟ كنت بكل صدق مع مثل هذا الكلام النظري السهل. ولم أعرف حجم الصعوبات والتحديات التي تواجه صناعة التعدين، وحفر المناجم والعمل فيها، ثم إنشاء مصانع، ومصاهر للمعادن المستخلصة من الصخور والرمال، وعروق الجبال، خصوصا في بيئة صحراوية قاسية التضاريس، متباعدة المسافات، بين مواقع المناجم، ومصانع التكرير والانتاج، حتى زرت مع زملاء الصحافة والاعلام مدينة رأس الخير يوم السبت الفارط 26 نوفمبر، بدعوة من وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية. شاهدنا عملاً جباراً في إنشاء مدينة تعدينية حديثة، ثم تلك القاطرات والعربات من شركة سار التي تُشكّل عصب تلك الصناعة في المحطة النهائية في رأس الخير. أكثر من ألف كيلومتر يقطعها قطار طول عرباته حوالي ثلاثة كيلو مترات، أي ما يعادل 700 شاحنة تنقل الصخور المفتتة التي تحوي مادة الفوسفات من المناجم في حزم الجلاميد شمال المملكة، حتى المصاهر والمعامل على ضفاف الخليج العربي. أكثر من 500 كيلومتر حديدية، تقطعها عربات أخرى من مناجم البعيثة في منطقة القصيم وصولاً الى منشآت المعالجة والتصدير في رأس الخير. بيني وبينكم ستطول الحكاية لو تحدثت عن الأرقام، أو حجم المال الذي سيدخل الخزينة العامة للدولة من تلك الصناعة، أو حتى عدد الوظائف التي ستتيح باب رزق جديد لمواطنينا، لهذا، أختصر بالقول إن الفخر الحقيقي في لقاء عقول، وسواعد سعودية نجحت في الرهان، وتحدتْ المستحيل ليصبح واقعا بعد أن كان حلما. ربما أعود للحديث عن ذات الحكاية مرةّ أو مرّات. بهذه المناسبة دعونا نتأمل في الحكمة الصينية التي تقول: من نقل الجبل من مكانه هو ذاك الذي بدأ بانتزاع الحجارة الصغيرة. [email protected]