بعد افتتاح قصر الناصرية الحدث الأبرز في تاريخ الرياض عام 1956م. تفاجأ المشرف على ضيافة قصور الملك سعود السويسري هوسيه ارنولد بحضور جوهر أحد حراس الملك، ومعه حقيبة ملابس عربية، وعباءة شتوية' ليبلغه الاستعداد للرحلة التي ستنطلق في الغد، يمكث فيها الملك شهرا سيقف من خلالها بنفسه على احوال البادية، أو كما قالها ارنولد (سيتفقد قبائله في الصحراء). وفي اليوم المحدد كانت القافلة المهيبة قد تحركت تضم أكثر من خمسين شاحنة مجهزة في ثلاثة اقسام، يتقدمها فريق صغير من الادلاء يستطلعون الطريق، ويختارون أماكن التخييم، تبعتها سلسلة طويلة من شاحنات التخزين الصغيرة، ومقطورات أخرى شكلت قصر الملك سعود المتنقل، كما شكل اسطول السيارات التي لحق بها الملك ومستشاروه وضيوفه القسم الاخير من هذه البعثة المذهلة. يقول ارنولد: في العادة كان اختيار موقع المخيم يتم بحسب قربه من مخيمات البدو. ومن القرى والهجر لأبناء شعبه، وفي كل الاحوال اينما حل أو نزل في مكان لا قبيلة فيه، سرعان ما يتناقل ابناء البادية أخبار وصوله، فنجدهم في صباح اليوم التالي يحيطون بالمخيم. ويضيف. ما إن يتم اختيار المكان كما في تلك الرحلة، حتى يبدأ الحرس، والخدم بالعمل على وتيرة واحدة . كان سيد الموكب يوجه طاقم العمل بحماسة فائقة اشبه بالسياط، وما هي الا لحظات حتى ارتفعت خيمة الاستقبال الضخمة التي كانت تنصب على الدوام أولا بأول. طرقت مئة يد ويد الاوتاد الخشبية عميقا في الرمال, فرشت بعدها بزوالٍ فاخرة، جلبت من كرمان الفارسية وبطّن داخلها بأقمشة هديلة من الحرير الزاهي وعلقت لمبات كهربائية حيث يجب, وحثت المولدات لتدور فيما نصب كرسي مزخرف، ومذهب على منصة من السجادات الاعجمية، والى جانبه الهاتف الابيض الحتمي والكرنك. تشكل هذه الخيمة قاعة الجلسات حيث يستقبل الملك زعماء القبائل وافرادا منها ومن سكان القرى والهجر وقد نصبت الى جانب مقطورة القصر الذي صنع في تولسا بولاية اوكلاهوما الامريكية، فخر فن المقطورات المتنقلة، إذ اشتمل على غرفة نوم بسرير ضخم يتعدى حجمه الاحجام المألوفة، ليتسع للحاكم العملاق عظيم البنية. وغرفة جلوس انيقة التصميم مزينة بالدمقس الاخضر الحريري. ضربت خيمة جهاز الاتصال اللاسلكي ثانيا. كان لابد أن يكون الملك على اتصال فوري مع الرياض، ثم تبعها نصب الخيم الاخرى للمستشارين، وعلية القوم، والضيوف، وخيم أخرى شكلت مكاتب ميدانية لفريق العمل الإداري. فرشت وجهزت هذه الخيم بمكاتب، وطاولات، وكراسي، وخزانات للملفات، وآلات كاتبة، وهواتف، فكان العمل ينتقل بانتقال رئيسه اينما حل. في هذه الاثناء كان على السويسري مشرف الضيافة أن يرتدي لباس البدو كما يصفه، فارتدى كل الملابس بما فيها العباءة، أو الفروة الزاهية الطويلة التي ارتداها العرب بفخامة، والتي شكلت له مأزقا كل ما حاول الحراك، وخطا بسرعة كانت الخطوة الاولى تثبت حافته في الرمل، والاخرى تطرحه ارضا. في ذلك اليوم وقبل وصول الملك الى المخيم بعد الظهر. كانت مدينة الخيم قد بدأت تحتشد بالبدو واهل القرى الذين جاءوا للسلام عليه والتماس العون. ومن بينهم كما قال ارنولد الكسحان والعاجزون والموقرون والميسورون. وكان من بينهم نسوة مستترات. فيهن الارامل. والفقيرات. يبقين على مسافة من المخيم وبعضهن يقترب مع اولادهن. وكثير منهن ومن اصحاب الحاجة يتمركزون في الدروب التي سيمر منها الملك في الصباح، عند تحركه وغالبا ما ينتظرن طول الليل الى حين مروره. كان الملك قد عودهم على التوقف عندهم وسماع شكاواهم، وتقديم المساعدة لهم، وفي كل الاحوال كان الملك (ابو الخيرين ) كما كان يلقب يأمر جوهر وفريقه من الخدم بإعداد صرر من المال توزع على المحتشدين، وعند تحرك القافلة تلقى على الذين يقفون على الطريق، وكانت وقتها النقود الحجرية الفضية تشكل عبئا الى حين استبدالها بالنقد الورقي عام 1957م. انسحب الملك الى مقطورته لدى وصوله لأخذ استراحة قصيرة، ثم عقد جلسة في خيمة الاستقبال، استقبل اولا الزعماء القبليين الذين بدوا من كل الالوان .أصغى اليهم بانتباه فيما أخبروه بحاجاتهم، ومشكلاتهم، ودوّن سكرتيره طلبات المؤن التي ما أمكن تأمينها من مخزون القافلة ليتم طلبها من الرياض عبر جهاز اللاسلكي واحضارها في اليوم التالي. حضر بعدهم امراء وشيوخ من القرى المحيطة، كانوا يخبرونه عن آخر أخبار الامطار ويشتكون من ندرة الطرائد، ويطلبون بناء مساجد جديدة. أخيرا وصل بعض أصحاب الحاجات تمكنوا من بلوغ خيمة الاستقبال رغم التدابير التي اتخذها ذلك اليوم بعض الحراس لإبعادهم كما قال، والتي كانت ستثير ثائرة الملك لو علم بها وهو الذي يؤكد عليهم دائما أن لا يرد أحدا. كان كل منهم يحمل كالعادة بحسب وصفه معروضا خربش فيها أحد كتاب الرسائل العامين في أحد اسواق الصحراء حاجات، ومصاعب حامل الرسالة، وطلبه العون والمساعدة، فكانت تلك المناشدات تمر على أفراد من حاشية الملك ورجاله الاجدر بالثقة ولا يرد أحدا منهم خائبا. عند ختام الجلسة كان شعراء من القبائل والقرى ينشدون أغاني مديح، ويلقون قصائد ثناء مطولة، على مسمع الحاكم الذي كان يصغي بصبر أحيانا، كانت عيناه المستترتان خلف نظارته الداكنة تغمضان تعبا، وكان القاء القصائد يستمر الى حين موعد صلاة المساء، حين ينهض الملك ويتقدم الحشد خارج الخيمة، كانت الحشود تقف متسلسلة في صفوف خلف قامة الملك المنفردة، حتى النسوة الواقفات في تجمعات بعيدة بأطيافهن السوداء كن يشاركن في الصلاة للحظة، كان الجميع متساويا في تعبده لله يقول ارنولد: كان المشهد مؤثرا ودراميا في آن ومع انني رأيته مرات كثيرة من قبل غير انه حركني هذه المرة. كان الملك يرجع من هذه الجولات منتعشا، ينادي على بعض المرافقين الظرفاء ويستمتع بتصرفهم المرح، حتى انه كان يشارك أحيانا في تلك الالعاب القاسية، كان مزاج البهاليل المفضل بريا من لعبة (أضرب واهرب) حيث كان الملاحقون يحاولون ضرب المطارد بجزء من حبل عقد طرفه، وكلما كان أحد يتعب من الركض كان يختبئ تحت كرسي الملك الذي كان الملجأ المجاز الوحيد، ويختلس النظر عبر ثنيات ثوب الملك مستهزئا بمعذبه. أحيانا متى خرجت اللعبة عن السيطرة، كان الملك سعود يحمل حبلا وينضمّ الى المطاردة، ويلاحق بصرامة أكثر اللاعبين جموحا. في احيان أخرى كان يتلون النكات، ويقومون بحركات، وإيماءات تمثيلية مضحكة، وفي هذه الاثناء كانت مدينة الخيم في الصحراء تعمل على القدر ذاته من الفعالية، كما في مجمع الناصرية في الرياض كنا على اتصال دائم مع الرياض عبر اللاسلكي، وكنت استدعى الى خيمة اللاسلكي عدة مرات في اليوم لأترجم برقية بالإسبانية، أو الفرنسية، أو الالمانية، او الايطالية، ابرقت الى الملك. الملك سعود رحمه الله أحد مخيمات الملك سعود سعود المطيري