في القصة الطويلة (المعطف) التي حبكها الروائي والقصصي الروسي نيكولاي غوغول عام 1842 ونقلها إلى العربيّة الدكتور محمد الخزاعي، منشورات المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر، أسدى أحد زملاء عمل بطل القصة السيد أكاكي أكاكيفيتش نصيحة له بأن لا يذهب إلى ضابط الشرطة المحليّة لمساعدته في العثور على اللص الذي اختطف منه معطفه الثمين بل يتقدّم إلى شخص ما مهم. هذا الشخص المهم سيكون بمقدوره تحريك الأمور بطريقة أسرع بكثير من المعتاد. تتوالى المشاهد في ذهن السيّد (أكاكي) وهو يُقنع نفسهُ بمقابلة ذلك الشخص المهم، من هذه المشاهد حديثه لنفسه وهو يقول: في روسيا المقدّسة أصابت عدوى التقليد كل شيء. كل واحد يقلّد من هو أعلى منه. حتى أنني سمعتهم يقولون بأنه عندما يُعيّن مستشار فخري كرئيس لدائرة حكومية صغيرة فإنه يقوم في الحال بتقسيم مكتبه وتخصيص جزء منه كغرفة انتظار خاصة لاستخداماته! في سياق الحكاية يقتنع أخيرا السيد (أكاكي) صاحب المعطف المسروق بالذهاب إلى الشخص المهم حتى ولو كان شديد العجرفة في محادثاته اليومية مع مرؤوسيه وغالبا ما تتكون من ثلاث عبارات: "كيف تجرؤ؟ هل تعرف من تُخاطب؟ هل تُدرك من الواقف أمامك؟". قال عُبيد الله الورّاق: كأنني سمعت وما زلت أسمع مثل هذه العبارات الاستنكارية في دوائرنا الرسميّة وحتى خارج الدوام الرسمي ونحن في القرن الحادي والعشرين!! ما علينا، لسوء حظ المسكين صاحب المعطف المسروق حين وصل إلى مكتب الشخص المهم قال له الحُجّاب إن معاليه في اجتماع (بتصرّف) ويجب الانتظار. يقول كاتب القصّة إن الشخص المهم لم يك في الحقيقة في اجتماع بل كان منهمكا في حديث مفعم بالحيويّة مع صديق طفولة قديم لم يره منذ فترة طويلة. تطول الأحداث التراجيدية بعد إهانة وطرد السيّد (أكاكي) من مكتب الشخص المهم لأنه لم يدرك من يُخاطب ولم يعِ من هو الجالس أمامه! هكذا تصوّر القصّة حال الدوائر الرسمية في روسيا عام 1842م. السؤال ألا تتفقون معي بأن مثل تلك المواقف قد يتكرر حدوثها عند "بعض الناس" حتى ولو كنّا في عام 2016؟ [email protected]