قبل عامين شاركت في دورة عن كتابة القصة القصيرة، قدمها القاص عبدالله الوصالي في جمعية الثقافة, كانت الدورة في مسرح الجمعية وبدأ الوصالي بتاريخ أول قصة قصيرة في العالم، على حد تعبيره، وهي المعطف، لغوغول، ثم فجأة قاطعنا الشاعر الجميل صالح الحربي لأخذ رسوم الدورة من الحاضرين، وغادر خشبة المسرح, وبعد خمس دقائق كان الوصالي خلالها يعيد ما قاله عن غوغول ومعطفه، دخل الحربي ليعتذر عن قرار تأجيل الدورة أو المسرحية إلى الأبد، لقلة أعداد الحاضرين «كنا ثلاثة» ولتذهب الرسوم في معطف غوغول. المهم أن السيد غوغول الحاضر الغائب في تلك الحادثة الغريبة، كتب مسرحية بديعة ضد مظاهر الفساد والبيروقراطية، التي كانت تجثم على الإمبراطورية الروسية قبل قرنين من الآن. «المفتش العام» مسرحية تكشف تواطؤ المحافظ والقاضي ومراقب المدارس ومجموعة من كبار المسؤولين لرشوة شاب قادم إلى المحافظة النائية باعتباره المفتش العام المجهول الذي يزور المدن من العاصمة, لكنهم يكتشفون أنهم اختاروا الشخص الخطأ بعد سلسلة من المشاهد الساخرة. المفارقة المبكية أن موظفي الرقابة آنذاك «المنتشرين حاليا» كانوا يمنعون جوجول من نشر كتاباته أو خروجها كمسرحيات حتى خريف عام 1836, حينها قال القيصر بعد العرض وهو غارق في الضحك: «لقد كان لكل واحد نصيبه في هذه المسرحية، بل يمكنني أن أقول: إن نصيبي أنا كان أكبر من أنصبة الآخرين». المسرحية التي يقول غوغول نفسه: إنه أراد أن يجمع فيها كل ما يعرفه عن روسيا من قبح، وكل ما يمارس فيها من جور وظلم، تؤدى إلى اليوم بكل اللغات، ومنها العربية، على أغلب مسارح العالم، وتصنف من أعمدة المسرح العالمي, لذا أقترح على الأصدقاء في جمعية الثقافة أن تستغل رسوم دورتنا المختطفة في أن نرى بدلا منها المسرحية، حتى مع تجاهل دور زوجة المحافظ بحجج قلة الموارد أو المواهب أو أعداد الحاضرين.