تُتهم الشعوب العربية بالتبعية للغرب كأثر من الاستعمار ومنه التبعية الثقافية، وهذا تعميم مطلق غير عادل وفي الوقت ذاته يخلط الغيورون على ثقافتنا العربية الأصيلة الثرية بين استنساخ لثقافة الغرب وتغليبها على ثقافتنا العربية وبين الاستفادة منها. ويمكن القول بأن أصل هذا الحاجز يكمن في مصطلح التبعية الذي يشمل كل مفيد، ولعل أن اللغة العربية هي المنطلق وما شهدته منذ عدة عقود من دفاع مستحق عنها فوقف الأوائل كسد منيع أمام الفيضان الغربي الكبير. السجال بين دعاة الرفض الشامل ووسطية القبول بثقافة الغرب أدى إلى تحامل على جزء هام من ثقافتنا العربية بنسبته للغرب، وذلك تفريط فادح والمتعلق بالأرقام العربية والمتعارف عليها في المشرق العربي بالغربية أو تصنيفا عاما بالإنجليزية. بدأ الجدل منذ خمسين عاما بين المشرق العربي ومغربه بدعوة الأخير لتبني المشرق العربي لما هو معمول به في المغرب العربي بالاعتزاز وتكريم الرقم العربي ونبذ الرقم الهندي والمرفوض شرقا بالرغم من قناعة كثير من المشرقيين من المختصين والباحثين. تعد الحضارة البابلية (ثلاثة لاف وخمس مئة عام قبل الميلاد) أولى الحضارات اهتماما بالحساب، وأثبتت التنقيبات عن معرفة البابليين بالمتواليات العددية والنسبة والتناسب، ومعرفة المصريين الأوائل بالحساب حين أظهرت رموزهم معرفتهم لمعادلة الدرجة الأولى ذات المجهول الواحد ورمز الكمية المجهولة. وأضاف اليونانيون والهنود إضافات هامة لا سيما العالم الرياضي الهندي "اريا بهاتا"، وهو من علماء القرن الخامس الميلادي، ليبرز دور العرب والمسلمين واستفادتهم من الحضارتين الهندية والصينية والتي يعود فيها الفضل لذلك الباعث الخليفة أبي جعفر المنصور رحمة الله. الأرقام العربية المعمول بها في المشرق العربي هي هندية الأصل، ولكن تم تهذيبها بإعادة رسمها تبعا للحروف العربية، أما الأرقام العربية والمصنفة بالغبارية (سميت غبارية لأنها كانت ترسم على لوح أسود يعلوه الغبار)، فهي ابتكار العالم المسلم الخوارزمي الذي سعى أن يكون للعرب والمسلمين أرقامهم الخاصة والتي اعتمدت في حسابها على أعداد الزوايا في رسم الأرقام. ولم يثبت مؤرخ أو باحث بدأ من الأوائل كاليعقوبي وابن النديم وابن الياسمين بأن الأرقام العربية (الغبارية) هي هندية الأصل، بل إن المجمع العلمي العراقي أرجع كل الأرقام المشرقية (الهندية المهذبة) والعربية (الغبارية) إلى أصل عربي. العرب المغاربة نقلوا الأرقام من شكلها الشرقي العمودي إلى الأفقي وأدخلوا التحوير على أشكال الحروف العربية ونقطها، فأصبح رسمها مختلفا وانتهوا باعتماد الغبارية، وهم في جدال لم ينتهِ مع إخوانهم المشارقة الذين عدوه تبعية للغرب! والأرقام المشرقية مستخدمة في باكستان وأفغانستان وايران والهند ولو أن الأخيرة تعتمد الأرقام العربية (الغبارية) في الإعلام ولكن في المشرق العربي كان السبق منذ أكثر من ثلاثة عقود للكويت حين اعتمدت الرقم العربي للرمز البريدي ولاحقا لأرقام مركبات السير وسارت على نهجها كل دول الخليج باستثناء المملكة التي اعتمدت كلا الرقمين تبعا للسكان.