هل تعلم أن شركات التوزيع في المملكة توقفت عن طرح الأفلام بشكل رسمي منذ أكثر من أربع سنوات؟. وعليه لم يصبح أمام البقية الصامدة من محلات الفيديو سوى بيع وتأجير الأفلام القديمة، أو تحميل الجديد عبر "التورنت" وبيعه بشكل غير نظامي، تحت تهديد مستمر من "غرامات" الجهات الرقابية. الواقع الحالي لمحلات الفيديو نهايته واحدة: الموت الحتمي خلال أشهر من الآن. خاصة بعد توقف شركات التوزيع التي كانت الممول الشرعي الوحيد لسوق الأفلام في المملكة، والتي تعرضت إلى هزات عنيفة تسببت بها محلات الفيديو ذاتها عندما اعتمدت على النسخ غير المشروع منذ نهاية التسعينيات الميلادية. كانت شركات التوزيع في السوق السعودية "مثل فيديو ماستر وجمجوم وميغا ستار" وغيرها تتعهد بتوفير الأفلام الأجنبية والعربية أولاً بأول بعد إجازتها من وزارة الإعلام، وتوزع هذه الأفلام على محلات الفيديو وفق عقود خاصة تتغير تبعاً لحالة كل فيلم على حدة، بطريقة تشبه عمل توزيع الأفلام في صالات السينما العالمية، حيث يُجبر المحل على شراء عدد معين من نسخ رسمية لفيلم متوسط إذا أراد الحصول على نسخ رسمية لفيلم مهم، وهكذا تتغير صيغ التعاقد بين شركة التوزيع ومحل الفيديو تبعاً لحالة الفيلم، لكن المشترك أن كل نسخة من أي فيلم تكلف محل الفيديو مبلغاً لا يقل عن أربعين ريالاً في حال البيع يدفعها لشركة التوزيع، أو نسبة من التأجير اليومي، وكان ممنوعاً على أي محل أن يبيع أشرطة غير مرخصة من الوزارة ولا تتبع لشركات التوزيع. حقق هذا النظام الصارم في حفظ الحقوق أرباحاً كبيرة لشركات التوزيع مكّنها من تطوير منتجاتها وجلب المزيد من الأفلام المهمة، لكن ظهور فيلم "التايتانيك" عام 1998 واكتشاف محلات الفيديو ل"نسخ السينما" غير المشروعة فتح سوقاً غير نظامية تسبب في انهيار شركات التوزيع ومن ثم انهيار محلات الفيديو ذاتها. وزاد التأثير حينما توسعت المحلات في نسخ الأفلام الرسمية وإعادة بيعها بصورة غير نظامية، فبدلاً من أن تشتري المحلات خمسين شريطاً رسمياً من فيلم ما اكتفت بشراء خمس شرائط فقط وإعادة نسخ العدد الذي تريده من الفيلم بشكل غير نظامي في أشرطة لا تكلف ريالاً واحداً. إن تاريخ موت محلات الفيديو في المملكة هو بشكل ما تاريخ هذا الصراع بين شركات التوزيع ومحلات الفيديو. في مطلع الألفية الجديدة اتخذت شركات التوزيع حلولاً واجهت بها سُعار النسخ الذي اجتاح محلات الفيديو، من هذه الحلول ما جاءت به شركة "فيديو ماستر" عندما طرحت "أشرطة" أفلامها بألوان زرقاء وحمراء على أمل أن يتم التمييز بينها وبين النسخ غير المشروعة ذات اللون الأسود، لكن مافيا النسخ تمكنت من توفير أشرطة فارغة بهذه الألوان. وفي المقابل جاءت شركة ديزني بطريقة اعتبرت ثورية في حينها تمثلت في وضع شفرة خاصة داخل أشرطة أفلامها تمنع من نسخها وتسجيلها عبر أجهزة الفيديو، لكن المافيا تمكنت وعبر حلول بدائية من كسر الشفرة ونسخها. ثم جاءت أقراص الديفيدي محملة بشفرات مانعة للنسخ لكن تم كسرها هي الأخرى. هذا النسخ المحموم أدى إلى إرهاق السوق، ورافق ذلك الهجوم الكاسح لشبكة الإنترنت بتقنيات تبادل الأفلام بين المستخدمين عبر التورنت وغيره، مما أدى في النهاية إلى استسلام شركات التوزيع وتوقف نشاطها، وقيام بعضها بإتلاف أرشيفها الضخم بدلاً من تخزينه في مستودعات تكلف الشركات مبالغ كبيرة. الأمر الذي جعل محلات الفيديو بين خيارين أحلاهما مر: فإما أن تواصل العمل بالاعتماد على تحميل الأفلام الجديدة وبيعها بشكل غير شرعي مع دفع غرامات كبيرة بين فترة وأخرى، أو أن تموت ببساطة. ويبدو أن الخيار الثاني هو الذي اختاره كثير من ملاك محلات الفيديو حيث لم يعد هناك سوى محلات قليلة متناثرة بين مدن المملكة، بأرفف فارغة، وخيارات محدودة فقيرة، وبقايا أفلام تنتمي لأزمنة جميلة..