الأسبوع الفائت كان اللقاء السنوي لمجلس خبراء المواقع التاريخية العالمي ICOMOS في العاصمة التركية اسطنبول. هذه المنظمة غير حكومية، اي انها مؤسسة مجتمع مدني تقريبا وعندما اقول تقريبا ذلك لكونها مؤسسة تقنية بامتياز، ولجنة التراث العالمي في منظمة اليونسكو تعتمد على تقاريرها الفنية في تسجيل المواقع على لائحة التراث العالمي. وبالطبع نحن في المملكة من بين الدول العربية القليلة التي لديها لجنة وطنية لهذه المنظمة التي تتخذ من باريس مقرا لها. إعادة روح المكان واستعادة خيوط التاريخ هي في حقيقة الامر خطاب مفتوح للمستقبل وفتح كل الابواب له كي يكون مستقبلا ثقافيا رابطا للاجيال القادمة بهويتهم التاريخية عقدت اللقاءات والورش العلمية في فندق مرمرة تقسيم والاختيار هنا له معنى، رغم انني كنت اتوقع ان يكون في احد الفنادق في عمق المنطقة التاريخية في سلطان احمد لكن التقسيم بالقرب من شارع الاستقلال المكتظ دائما جعل فرصة التقارب بين أعضاء اللجان الوطنية لكثير من دول العالم متاحة على المستوى غير الرسمي. فكرت لو ان مثل هذا الاجتماع عقد في الرياض او جدة او اي مدينة هل سيتاح للمشاركين فرصة للحركة خارج الفندق ام ستكون مشاركتهم في مكان واحد والأماكن المشمولة في برنامج اللقاء؟ في حقيقة الامر ان الخيارات التي تتيحها المدينة السعودية للحركة تكاد تكون معدومة وانا هنا لن اقول ان المناطق التاريخية في وسط هذه المدن التي لا يوجد فيها فرص للسكن ولا تسمح لزوار المدينة السعوية باكتشافها. بكل تأكيد هذا ليس موضوعنا لكنها خاطرة طرأت اثناء مشاركتي في لقاء "الايكوموس" وتذكرت كل المحاولات التي نقوم بها في هيئة السياحة لإعادة الحياة للمناطق التاريخية والمقاومة التي نواجهها. ويبدو اصلا ان الاهتمام بالتراث الثقافي في المنطقة التي أنتجت اول حضارات العالم، واقصد المنطقة العربية يكاد يكون معدوما، فقد كان هناك يوم في الاجتماعات مخصص للقاء اللجان الوطنية الإقليمية وكان هناك اجتماع مخصص للمنطقة العربية لكني في بداية الاجتماعات أخطات ودخلت قاعة مجموعة آسيا الباسيفيكية وكانت القاعة مكتظة ومنظمة وكان هناك مشاركون عدة من اليابان وكوريا وأستراليا والهند ولم يستغربوا من وجودي بينهم بل طلبوا مني ان اقدم عرضا عن "الايكوموس السعودي" ورحبت بذلك وتحدثت عن خططنا المستقبلية الطموحة لكني تذكرت انني يجب ان أكون مع المجموعة العربية فخرجت من القاعة بعد تقديمي العرض باتجاه قاعة المجموعة العربية فلم اجد فيها احدا. ووجدت شخصين يتحدثان بالفرنسية فقلت لاسالهما فتبين لي ان احدهما سوري يعيش في باريس والآخر لبناني من الجامعة اللبنانية فقلت لهما اني من السعودية. المشهد محزن ومحبط ويؤكد تفكك المؤسسات العربية وعدم قدرتها على قيادة العمل الثقافي العربي. انتظرنا قليلا حتى وصلت الدكتورة راوية محجوب وهي من طرابلس اللبنانية وقد أسست مركزا للترميم منذ اكثر من 20 سنة وخرج العديد من المتخصصين وبدأنا اجتماعنا المكون من السعودية وهي الدولة الوحيدة التي لديها لجنة وطنية، ولبنان التي تحاول ان تؤسس لجنة وطنية ومتخصص سوري معروف هو الدكتور سمير عبدالحق وهو لا يمثل سورية فعلا لكننا قررنا ان نكمل الاجتماع لانه مهم حيث سيأتي احد مندوبي "الايكوموس" العالمي ليتأكد من قيام الاجتماع ومن المعيب ان المجموعة العربية ليس لها وجود. الحقيقة ان نتيجة لهذا الاجتماع أننا استطعنا ان نؤكد وجود المجموعة العربية كمجموعة إقليمية رسمية في الايكوموس وبالتالي سيكون احد نواب الرئيس من المجموعة العربية وهذا ما أكدت عليه شخصيا في الاجتماع العام في اليوم التالي للمنظمة وحظي بالموافقة. في اعتقادي اننا نحتاج ان نعمل بأسلوب مختلف وحالة التردد التي تظهرنا ضعفاء امام العالم يجب ان تنتهي لانه مازال هناك بعض الدول العربية، ولا اريد ان اسمي دولة بعينها، مازالوا حتى لم يحسموا امرهم هل هم جزء من المجموعة العربية ام من افريقيا. عندما اقول هذا الكلام لا اقصد ابدا اننا في السعودية كنّا احسن حالا لكننا حسمنا امرنا في السنوات الاخيرة فبما يخص تراثنا الوطني ولم يعد لدينا خيارات اخرى سوى المحافظة على ما تبقى من هذا التراث وإعادته للحياة. المسألة بالنسبة لنا أصبحت جزءا من تحدي المستقبل الذي يجب ان نواجهه بشجاعة. الايكوموس السعودي بصورته الحالية تم اعادة تأسيسه منذ بضع سنوات تحت مظلة الجمعية السعودية للمحافظة على التراث وبدعم من الاميرة عادلة بنت عبدالله ومتابعة مستمرة من الامير سلطان بن سلمان. وبالطبع اللجنة السعودية تطمح ان تكون لجنة مستقلة في المستقبل لكن يجب ان أنوّه ان الايكوموس السعودي تأسس لأول مرة قبل ستة عشر عام تقريبا بمبادرة من مجموعة من المهتمين على رأسهم المهندس علي الشعيبي وكنت من المؤسسين في تلك الفترة ولم تستمر هذه اللجنة الا بضع سنوات واختفت حتى عادت مرة اخرى لتبقى هذه المرة بإذن الله. هنا يجب ان اقول ان العمل في حماية التراث الثقافي مضن ويحتاج الى إيمان بالرسالة وهذه عملة نادرة هذه الايام ونحن نعي هذا الامر ونحاول ان نستعد له. يمكن ان اختم بأن هدف "الايكوموس" هو المحافظة على المكان الثقافي، المجال الذي تتشكل فيه الثقافة وتلامس الوجدان ويحفظ الذاكرة. هذا الهدف شعرنا به في اسطنبول لأنني لا أنسى الموسيقى الصوفية التي يحرك فيها الناي والفنون الوجدان خصوصا عندما تكون في مكان يضج بالتاريخ مثل قصر "التوبكابي". إعادة روح المكان واستعادة خيوط التاريخ هي في حقيقة الامر خطاب مفتوح للمستقبل وفتح كل الابواب له كي يكون مستقبلا ثقافيا رابطا للاجيال القادمة بهويتهم التاريخية وصانعا لمجالات اقتصادية غير محدودة لهم، فهل نعي قيمة المكان وهل نعي اهمية ان نعمل جميعا لاستعادة الامكنة التي نملكها او التي كان يملكها أباؤنا؟