الاستهداف الحالي اكبر واشمل من كل الاستهدافات السابقة فقد اصبح الهدف هذه الايام مركزا على الشعوب بدلا من الحكومات حيث يتم العمل على تغيير التركيبة السكانية كما هو حادث في العراق وسورية قبل سرد بعض الحقائق التاريخية عن الاستهداف الصهيوني الغربي للعالم العربي لا بد من التنويه بما وصلت اليه الحضارة الغربية من انجازات على كافة المستويات وفي مقدمتها العلوم والتقنية والتي استفادت منها كافة شعوب الارض ناهيك عما وصلت اليه تلك الحضارة من تقدم في كافة المجالات المادية. اما ما ارتكبته حكومات الغرب من اخطاء فإنه لا يمثل بأي حال من الاحوال موقف شعوب تلك الدول ذلك ان الشعوب في جميع انحاء المعمورة بما في ذلك الشعوب الغربية مسيرة وليست مخيرة فيما تنتهجه حكوماتها من قرارات ذلك ان الشعوب كلها دون استثناء تجمعها محبة العدل والامن والسلام والرفاه والعيش الكريم وبالتالي ليس لأحد قضية مع الشعوب. اما الحكومات فإن هناك قوى ولوبيات ودوافع تقبع خلف الكواليس تتحكم بالقرارات ذات الابعاد والصلة بالمصالح الاستراتيجية والحروب الاستباقية التي تحفزها العوامل الاقتصادية والثأر التاريخي والدوافع التوراتية او غير ذلك من المسببات والمبررات التي يتم اختلاق مبرراتها. وعلى العموم نستطيع ان نقول ان الاستهداف القائم والقادم ليس جديدا فهو استمرار لما سبقه من استهداف الا ان وتيرته واساليبه جديدة. حيث يشهد التاريخ انه منذ الحملات الصليبية والمنطقة العربية تتعرض لاستهداف مستمر حتى اليوم وقد مر ذلك الاستهداف بمراحل متعددة من المد والجزر منذ تلك الحملات والتي يمكن ان نذكر من ضمنها حملة نابليون بونابرت (1798 – 1801) على مصر والشام والتي كانت تهدف الى اقامة قاعدة له في مصر والشام والاستفادة من مواردهما بالاضافة الى محاولة قطع الطريق بين بريطانيا ومستعمراتها في الهند، وبعد هزيمة نابليون ظلت اطماع بريطانيا وحلفائها قائمة وتتحين الفرص. وظلت المنطقة تتأرجح تحت ضربات التدخلات الاوروبية حتى جاءت وثيقة كامبل (1907) والتي انبثقت عن مؤتمر سري دعت اليه بريطانيا وضم كلا من فرنسا وهولندا وبلجيكا واسبانيا وايطاليا عام (1905) حيث تم التوصل في ذلك المؤتمر الى وثيقة سرية عرفت بوثيقة كامبل نسبة الى رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الوقت (هنري كامبل) وقد توصل المجتمعون الى نتيجة مفادها "ان البحر الابيض المتوسط هو شريان الاستعمار لانه يمثل الجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي الى القارتين الآسيوية والافريقية وملتقى طرق العالم بالاضافة الى انه مهد الاديان والحضارات. الا ان الاشكالية في هذا الشريان أن على شواطئه الجنوبية والشرقية يعيش شعب واحد (العرب) تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللغة والارض وقد كان ابرز ما توصل اليه المؤتمر من توصيات الابقاء على الشعوب العربية متأخرة وعليه قاموا بتقسيم دول العالم بالنسبة لهم الى ثلاث فئات: * الفئة الاولى: دول الحضارة الغربية المسيحية وتشمل دول اوروبا واميركا الشمالية واستراليا والواجب يحتم دعم هذه الدول ماديا وتقنيا لتصل الى اعلى مستوى من التقدم والرقي والازدهار. * الفئة الثانية: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ولكن لا يوجد تصادم حضاري معها ولا تشكل تهديدا لها كدول اميركا الجنوبية واليابان وكوريا وغيرها والواجب تجاه هذه الدول هو احتواؤها وامكانية دعمها بالقدر الذي لا يجعلها تشكل تهديدا لتفوق الفئة الاولى. * الفئة الثالثة: دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضاري معها وتشكل تهديدا لتفوق الغرب وتشمل الفئة الثالثة المنطقة العربية بشكل خاص والاسلامية بشكل عام. والواجب تجاه هذه المنطقة حرمانها من الدعم ومنعها من اكتساب العلوم والمعارف التقنية ناهيك عن محاربة اي اتجاه وحدوي في تلك المنطقة والعمل على ضمان استمرار تخلفها بكل الوسائل والسبل. ولا شك ان اكتشاف البترول في المنطقة العربية وظهور اميركا كمنافس قوي لاوروبا في هذا المجال قد عجل من وتيرة تنفيذ توصيات وثيقة كامبل، الا ان ظهور الاتحاد السوفياتي كقوة مضادة ابطأ بعض الشيء وتيرة الاستهداف لكن المخطط الاستراتيجي لاستهداف المنطقة ظل ينفذ في السر على قدم وساق خصوصا ان الصهيونية وربيبتها اسرائيل اصبحت من اكبر العوامل المحفزة والدافعة على ذلك الاستهداف وذلك تحقيقا لمخرجات مؤتمر بازل (1897) ومقررات وثيقة كامبل (1907) واستكمالا لدولة اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات التي بدأت تظهر معالم تحقيقها هذه الايام من خلال التحالف مع ايران والعمل على تهجير المكون السني في العراق وسورية والقضاء المبرم على البنية التحتية والفوقية لمناطقهم. نعم ان الاستهداف الحالي اكبر واشمل من كل الاستهدافات السابقة فقد اصبح الهدف هذه الايام مركزا على الشعوب بدلا من الحكومات حيث يتم العمل على تغيير التركيبة السكانية كما هو حادث في العراق وسورية حيث يتم استئصال المكون السني من جذوره وتهديم مدنه وقراه. وبعد هذا كله يأتي من ينفي وجود المؤامرة التي بدون ادنى شك لا يمكن انكار ان من اكبر معاولها المعاضدة التخلف ووجود طابور خامس يخدمها وفقدان الوعي وعدم استقراء التاريخ وعدم الاستفادة من التجارب الذاتية وتجارب الاخرين ناهيك عن ان الاحداث والمؤشرات والحقائق تدعو منذ زمن طويل اهل المنطقة واصحاب القرار فيها الى الاستقلالية والاستعداد الا ان الجميع ظل يظن ان الليث يبتسم وهو يمزق اشلاء المنطقة ويعقد تحالفات مريبة مع ايران خدمة للاجندة الصهيونية التي اصبحت تتحكم في مرتكزات اتخاذ القرار الغربي من اجل مصلحة اسرائيل ومن اجل استمرار كبت ذلك المارد العربي الذي يملك كل مقومات القوة مثل الموقع الجغرافي المميز والتعداد السكاني الكافي والتنوع الطوبوغرافي والثروة المعدنية والبترولية والغازية ناهيك عن وحدة عقيدته وأرضه وطموحاته ولغته. تلك المميزات التي ظلت تقض مضاجع الغرب وما زالت وتجعله يعمل الليل والنهار لاجهاض اي حراك ايجابي في المنطقة العربية وما يحدث هذه الايام خير شاهد على ذلك فقد تقاسموا الادوار واستغلوا الاوضاع وتحالفوا مع ايران لجعلها مخلب قط قذر لهم لتخريب المنطقة من خلال العزف على وتر الطائفية التي تمارس هذه الايام بكل فجاجة في العراق وسورية. ولا شك ان ايران سوف تكون الضحية القادمة بعد ان تنهي الدور القذر المنوط بها فالصهيونية لن يهدأ لها بال قبل ان تحكم سيطرتها على المنطقة العربية بصورة خاصة وعلى العالم بصورة عامة خصوصا انها سيطرت عليه الى حد ما اقتصاديا وهذا لن يوقفه الا حراك جاد من قبل المتضررين مدعوماً بوعي من المغرر بهم وإدراكهم ان الفأر الصهيوني يقرض سفينتهم وسوف يغرقها إن لم يتداركوا الموقف قبل تفاقمه وفوات الاوان. ان سيناريو الهجوم على برجي التجارة العالمية في 11/09/2001 وما ترتب عليه من استهداف لكل من افغانستانوالعراق والاعلان عن الفوضى الخلاقة والشرق الاوسط الجديد وظهور داعش وتبنيها كل حراك ارهابي واستهداف الدول الاوروبية بعمليات ارهابية نوعية لا يعدو ان يكون إفرازات لعمل مخابراتي الغرض منه اعداد المسرح للاستهداف القائم والقادم وإعداد الرأي العام المحلي هناك والعالمي لما سوف يتم اتخاذه من اجراءات لاحقة بحق دول وحكومات وشعوب المنطقة العربية تحت طائلة محاربة الارهاب الذي تم الاعداد له وزرعه على مدى الثلاثة عقود المنصرمة والذي رغم كل المساعي الظاهرية لاحتوائه ومحاربته الا ان الجهود المخابراتية ظلت تدعمه وتوسع من دائرة انتشاره. ان خريطة الشرق الاوسط الجديد والتي تم نشرها في مجلة الجيش الاميركي (1992) تنفذ على مراحل وهي التي نشرت على رؤوس الاشهاد وتم الاعلان عن تبنيها خلال حكم بوش الابن (2005) تحت مظلة الشرق الاوسط الجديد ومع ذلك ظل المستهدفون يصدقون الوعود ولا يصدقون الحقائق على ارض الواقع لذلك يتم استهدافهم واحدا واحدا وبمعاونة بعضهم ضد بعض حتى أصبح قائلهم لقد أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض. والله المستعان