لوحة لامرأة فلسطينية من القرن التاسع عشر تطرقت منذ سنوات لإعجاب أبناء الصحراء ببنات المدينة أو الحواضر الريفية فيما قبل مائة سنة وأوردت أبياتاً بلسان أبناء الصحراء بهرت ببنات الناصرة في فلسطين قبل الاحتلال الإسرائيلي وعبرت الأبيات عن الجمال بتقاليد الصحراء، كانت الأبيات عبارة عن ثلاث مقطوعات، الأول منها: الزين كله من ورا الناصرة غاد متخالط بين الدروز ونصارى العفو لله تقل ما ياكلن زاد غير النهود ونابيات الفقارا وقد أشار مصدري إلى أن كل المقطوعات الثلاث لشاعر جهني. وقد أثارت هذه النسبة حفيظة بعض القراء بأنها للشاعر ابن صليبيخ وقال بعضهم: إنها لابن كريديس وذكر بعضهم غير ذلك. وبمراجعة متأخرة تأكد لي أنها لابن صليبيخ الشاعر المعروف، وأبدعها في عام 1946م. ما أهدف إليه من عودتي للموضوع هو الإشارة لما يتعرض له الأدب الشعبي وبخاصة البدوي منه من اجتهاد في النقل الشفهي، ذلك النقل الذي أكثره لا يفسد المحتوى ولكنه يعكر صفو الذائقة الأدبية، لما يصاحبه من إخلال في الوزن وخلخلة في النسيج الشعري. فالرواة يبهرون حينا بالنص جماله الفني ووقعه من النفس، وحينا بالمحتوى الذي يعبر عن رأي سديد أو حكمة بالغة، وحينا آخر يصور المعاناة من حزن وحنين أو قهر، كما يبهرون بالأحداث ومعالجتها ولا يهملون قصائد الفخر المعبرة عن أمجاد قومية أو قيم اجتماعية. قصيدة الشاعر ابن صليبيخ عام 1946م أنموذجاً وقد سد الرواة فراغا ثقافيا في غياب التدوين، وإحياء المجالس والمنتديات بالرواية الشعبية، وهذا ما شجع الرواة ليكونوا بديلا عن التدوين ووسائل التواصل الإعلامي، بل إنهم الأصل فجاء التدوين ووسائل الإعلام بديلا للرواة. ومشكلة النقل الشفهي أنه يعتمد على مهارة الراوي وحذقه وحيله إذ لا تعجزه الحلول عند نسيان عبارة أو جملة أو مفردة أو بيت شعر كان أن يرتق الفتق بما يناسبه. ومن هنا يظهر رواة جدد قد يواجهون النسيان نفسه فيختارون الحيل نفسها. وقد دفعني اعتراض بعض القراء لمحاولة تقصي الحقيقة حول البيتين الآنفين لابن صليبيخ وكان قوقل أقرب المعابر إلى المساعدة، فظهرت المفارقات وفق ما يلي: أولاً: سعد فهد الدخيل يقول: الزين كله من ورا الناصرة غاد متاولتن ودروز ويضا نصارا يا لعنبوهن ما تقل ياكلن زاد بس النهود ونابيات الفقارا نقلتها لكم كما وردت في قوقل 11 نوفمبر 2012م ثانياً: في منتدى نشامى شمر وردت كما يلي: الزين والله من وراء الناصرة غاد شراكسن ودروز وايضا نصارى العالم الله تقل ماياكلن زاد بس النهود ونابيات الفقارى ونسبها المنتدى لابن صليبيخة. ثالثاً: أما مضايف شمر فقد ورد البيتان كما يلي: الزين والله من ورا الناصرة غاد متاوله ودروز وفيهم نصارى الشاهد الله تقل ما ياكلن زاد بس الردوف ونابيات الفقارى لاجا نهار العيد في يوم ميلاد يشدن فروع الودايا بقارا ويلاحظ الخلل في عجز البيت الثاني فالردوف هي الفقار. كما يلاحظ إضافة بيت ثالث وهو متوقع بل أكثر من بيت. وفي هذا البيت تشبيه الفتيات بأجمل ودايا النخل، وهو تشبيه كثير ما يرد في شعر أهل الشمال وقارا قرية تابعة لمنطقة الجوف ذات نخيل فاخرة. رابعاً: وفي موقع قبيلة شمر الرسمي، نسبت لابن صليبيخ ووردت بيتين كالتالي: الزين والله من ورى الناصرة غاد متاوله ودروز وفيهم نصارى الشاهد الله ما تقل ياكلن زاد بس الردوف ونابيات الفقارا والفرق بينهما وبين سابقيهما واضح. خامساً: وبتوقيع ريمية في صحيفة المدينة مقالة بعنوان نكبة حزيران: والنسبة لابن صليبيخ: الزين شفته من ورا الناصره غاد عتاولة ودروز وايضا نصارى الله عليهن تقل ماياكلن زاد غير النهود ونابيات الفقارا سادساً: وتنسبها منتديات بللسمر لابن كريديس عام 1946م وجاءت أكثر من ثلاثة أبيات وهي: الزين كله من ورا الناصره غاد متاولة ودروز واللي نصارى متاولة ودروز واروام واكراد بيض العمايم لابسات الوزارا وان جاضحى للعيد بأيام ميلاد ويشد مجهاد الودايا بقارا مثل المها ماراقيهن غير شراد خطر على اوساطهن من الانكسارا وتسند المنتديات النقل عن راوية شهد الشاعر وابداعه عام 1946م. وتظهر رداءة النقل الشعرية والاملائية والأخطاء الطباعية بشكل جلي. كما تؤكد وجود أبيات أخرى للشاعر لم تدونها المنتديات ولم يوردها الرواة. وتقارب اسمي الشاعرين ساهم في نسبتها. ومن هنا ولأهمية الشعر الجمالية والتوثيقية وجب على المهتمين تدوين أبرز الأقوال وأقربها إلى الذوق السليم، وحفظ حقوق الشاعر المبدع. كما يجب على المواقع والمنتديات تحرى الحقيقة وأن يكون لديها مراجع يرد ما ينشر فيها إلى أصله بدل أن يعري الابداع من ثيابه. الزين كله من ورا الناصرة غاد ولجودة أبيات ابن صليبيخ أيقظ شاعرية الجهني فأنشأ أبياته من روح بيتي ابن صليبيخ فجاءت جميلة تحمل جمال البيئة المؤثرة (الناصرة) ومفردات بيئة الشاعر (الجزيرة العربية) مثل قوله: =مشيت حد عصيْر والفي طيّاح طالعت زينا ساعة مايفتش وقمت اتمشى لين ما شفت ما لاح سلمت بس سهيّف الخد منغش العقل صندوقا بلا غير مفتاح وانا ليا جيته علي يتطارش ثمان لا قصرن ولا هن بطفّاح لا ناقدة فيهن ولا سوس منخش إلى آخر الأبيات التي تحدد مفرداتها بيئتها الحجازية البدوية. إن الدور الذي تلعبه المنتديات يغذي الذاكرة ويساعدها على المعرفة وبمقدار هذه الفائدة يتطلع الباحث إلى وجود متخصص يراجع النصوص ويردها إلى أصلها الجميل لاسيما وأن انتشار هذه المنتديات يساعد على ذلك. وبالله التوفيق عبد الرحيم الأحمدي أسواق فلسطين قديماً حيث يبيع تجار الجزيرة بضائعهم