الكتابة عن الإعلام بمختلف أشكاله ومستوياته ووسائله ووسائطه، أشبه بمغامرة محفوفة المخاطر والصعوبات والاعتبارات، لأن الإعلام لم يعد مجرد ناقل وناشر ومروج للأخبار والاحداث والوقائع، كما كان يفعل خلال كل تلك القرون الطويلة التي مارس فيها الكثير من الأدوار والوظائف المتعددة، ولكنه -أي الإعلام- تجاوز كل تلك الأعراف والتقاليد والصيغ التقليدية السابقة، وانتقل إلى مرتبة عليا غاية في الخطورة والتصعيد، أهلته وبكل جدارة واستحقاق لأن يمارس قيادة المجتمع بكل أفراده ونخبه وفئاته. الإعلام لم يعد فقط، مجرد صدى وانعكاس لواقع المجتمع، ولكنه تحول الآن إلى ظاهرة كونية استثنائية تقود المسيرة الإنسانية والحضارية، خاصة حينما نتحدث عن الإعلام الجديد بكل شبكاته الاجتماعية كتويتر والفيس بوك واليوتيوب والواتس آب، وبكل فضاءاته الالكترونية الهائلة كالصفحات والمواقع والمدونات. تلك مقدمة مهمة -كما أظن طبعاً- للوصول إلى الهدف من المقال، وهو تأثير وخطورة الإعلام الجديد بوسائله ووسائطه المتعددة على وحدة وتماسك النسيج الوطني الدي يتشكل من تنوع فسيفسائي جميل، يضم العديد من الثقافات والعادات والفلكلورات والقوميات واللهجات والتعبيرات والبيئات والمناخات والاطياف والمذاهب التي يتمتع بها المجتمع السعودي. لقد شكل العقد الأول من الألفية الجديدة، حضوراً قوياً وفاعلاً لشبكات التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت أشبه بمنصة إعلامية كبرى تلقى جذباً ورواجاً وتفاعلاً في المجتمعات العربية، التي وجدت في تويتر والفيس بوك واليوتيوب وغيرها من وسائل ووسائط الإعلام الجديد ضالتها التي كانت تبحث عنها لعقود طويلة، لتخلصها من نظم شمولية ودكتاتورية لم تتح لها ممارسة خياراتها وقناعاتها ومعتقداتها بكل حرية وشفافية وتعددية. ولكن، جولة سريعة في فضاء تويتر مثلاً، سيجد كل من يُبحر في هدا الطوفان الهائل مدى تنامي حالة الاحتقان والصراع والتأزم وسط الغالبية من مرتادي تويتر، الذين يحاولون النيل من المختلفين معهم، سواء أكان هدا الاختلاف ثقافياً أم فكرياً أم عقدياً، مستخدمين كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، لتصفية خصومهم الافتراضيين. وللتصفية التي يُمارسها المتخاصمون في تويتر، وجهان قبيحان جداً. الأول بتقاسيمه المادية البشعة، المتمثلة بقتل ونحر والتمثيل بجثة الخصم، وذلك من أجل بث الرعب والخوف ضد الخصوم، تماماً كما تفعل المنظمات الإرهابية كداعش والنصرة وبوكو حرام وغيرها من تلك الجماعات الاجرامية التي تتكاثر كنبت شيطاني في ساحاتنا ومجتمعاتنا. الوجه الآخر، لا يقل بشاعة ووحشية عن سابقه، وهو المتمثل بالتصفية الأخلاقية والثقافية والفكرية والاجتماعية، والتي يُمارسها الكثير في تويتر وفي كل مواقع التواصل الاجتماعي، ضد كل من يُخالفهم في الرأي والفكر والمعتقد. ما يحدث في مواقع التواصل الاجتماعي من ممارسات وبذاءات وانتهاكات خطيرة ضد الأفراد والمكونات والجماعات، ظاهرة خطيرة جداً، وآن لها أن تقف عند حدها، لأنها تتسبب في زيادة منسوب حالة الاحتقان والتعبئة والتوجيه والاستقطاب، ما يؤثر على أمن وسلامة المجتمع، ويُصيب الجسد الوطني بالكثير من التشوهات والأمراض والأزمات، خاصة في هده المرحلة الحرجة التي تمر بها أغلب المجتمعات العربية، بل والعالمية. يبدو أن الوقت قد حان، لدق ناقوس خطر ضد كل تلك الممارسات والسلوكيات الخطيرة التي تُمهد لظهور حالة من الفوضى والاحتراب والانقسام في المجتمع الواحد. أيضاً، نحن بحاجة ضرورية لإعادة تعريف الكثير من مصطلحاتنا وقيمنا وسلوكياتنا، كبعض مظاهر وملامح العنف والتشدد والشتم والبذاءة والقذف وغيرها من كل تلك المفردات البغيضة التي يغص به قاموس الكراهية. ما احوجنا الآن، وقبل أي وقت مضى، لسن وتشريع قوانين وأنظمة دقيقة وواضحة ورادعة، لتجريم كل مظاهر العنف والتطرف والتوحش، لنجنب وطننا العزيز تبعات وتداعيات وتأثيرات كل مظاهر الكراهية المتمثلة بالسب والشتم والتخوين والقذف والتكفير.