من الاخطاء البشرية أنها تستغل ذاكرتها بشكل خاطئ، فتقوم من حيث لا تعلم باستحضار الماضي معها في كل حين، ولذلك فهي تعقد المقارنات بين الامس واليوم في كل شيء، ويقوم العقل بهذا الجهد المضني فترهقه المقارنات والموازنات بين حقبتين مختلفتين ولذلك فهو يقرر الانحياز الى الماضي لانه قد تعود عليه وألفه، فيبقى قابعا هناك ويسحب معه صاحبه الذي يبقى غريبا في زمن جديد وهو متخلف عن ركب الناس والمجتمع بخطوات كثيرة، يعيش بفكر زمن الاباء والاجداد فيلعن حاضره الذي تخلى عن الآداب والقيم الاصيلة والاخلاق الفاضلة، ويسبح اكثر في ماضيه فيتألم اكثر من لهاث الناس نحو أهوائهم وشهواتهم وتتبع الموضات والصرخات التي تتعدى مستوى الجمال والمنطق والتوسط في كل شيء، ويتعمق بفكره المكدود بزمن كان للرجال فيه حياء كحياء العذارى، وطيبة كطيبة الارض التي كانوا يزرعونها ويأكلون من نتاجها ثم يقارن هذا بواقع تخلت فيه المرأة عن بقية الحياء واسترجلت وزاحمت الرجال في الاسواق، وبين واقع تخلى فيه الرجال عن مسؤولياتهم وفروسياتهم وشهاماتهم بدعوى الانس والهروب الى الاستراحات والارجيلات ليتولى السائق والخادمة مهمة التربية والتعليم والتوجيه، وهذه المقارنات رغم انها حق لاريب فيه الا انها ايضا تكليف بما لايستطاع وإجهاد للقلب والعقل وكد للخاطر وتعكير للمزاج.. وربما ولست اجزم ان الحل يكون بالتعايش مع الحاضر ومحاولة التعديل والاصلاح فيه، تعايش المكره الذي يحاول تقليم اظفار هذه الشذوذات وقلع انياب هذه السموم الطارئة، ونشر ثقافة الوعي والتوجيه لمحامد الاخلاق ومكارم السجايا، على الاقل في محيط الشخص وعلى مستوى من يعول من الابناء أو في محيط التلاميذ والطلاب وعلى مستوى القرابات والجيران، فنسدد ونقارب ولا نقطع حبال الود او نهدم جسور التواصل بزعم ان البون اصبح شاسعا وان المسافات باتت تتباعد، فنحن في النهاية لا نخسر الا انفسنا واهلينا، فإما الاصلاح والمجاهدة بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، او تجتاحنا امواج اليم التي لا تفرق بين صالح وطالح.. وعلى دروب الخير نلتقي. [email protected]