القرار الأخير (الخاص بتغيير صرف الرواتب) أثبت أن معظمنا يخلط بين التأريخ الميلادي والتقويم الشمسي.. أنا شخصياً أفرق بين كلمتي (تقويم) و (تأريخ) كون التقويم يعتمد على ظاهرة فلكية طبيعية، في حين "التأريخ" اتفاق بشري على البدء من حدث معين كهجرة نبينا محمد، أو ميلاد المسيح، أو عام الفيل.. أو حتى عام الرمادة والمجاعة والجراد.. التقويم الشمسي ظاهرة فلكية تساوي الفترة التي يستغرقها دوران الأرض حول الشمس بصرف النظر عن مسميات الأشهر أنفسها (سواء أطلقت على هذا الشهر اسم أكتوبر أو الميزان أو تشرين الأول أو شهر الطير واحمرار أشجار الساكورا).. وهذا يعني أننا حين نتحدث عن التقويم الشمسي لا نعني بالضرورة التأريخ الميلادي ولا نقلل من أهمية منازل القمر كمواقيت للشعائر الإسلامية (بدليل: صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته).. حدث الخلط في أذهان الناس بسبب ارتباط شعائرنا الإسلامية بالتقويم القمري، وارتباط التقويم الشمسي بميلاد السيد المسيح (الذي ولد فقط قبل ألفي عام).. ولكن الحقيقة هي أن كلا التقويمين (الشمسي والقمري) أكثر قدما من ميلاد المسيح وهجرة نبينا الكريم ناهيك عن استعمال التقويم القمري في الصين قبل هجرته بآلاف السنين.. .. فمنذ خلق الله الشمس والقمر لاحظ الإنسان اختلاف مداراتهما فخرج بتقويمين مختلفين.. اكتشف أن التقويم الشمسي أكثر دقة في تحديد مظاهر طبيعية كثيرة كفصول السنة وانتهاء المواسم وحلول الأبراج ونضوج الثمار ومواعيد الزراعة وبدء التزاوج لدى الحيوانات (بل وكان أجدادنا يعتمدون عليه لمعرفة أوقات الغرس والحصاد)!! ... التأريخ الميلادي نفسه لم يصبح منتظماً ولا دقيقاً إلا بعد ان (واءم نفسه) مع التقويم الشمسي ودوران الأرض حول الشمس.. فالامبراطورية الرومانية كانت تحتسب السنة على انها 360 يوما في حين ان السنة الفعلية هي 365 يوما (الوقت المطلوب لاكتمال دوران الأرض حول الشمس). ولتلافي نقص الأيام السنوي اصدر يوليوس قيصر قرارا بزيادة بعض الاشهر إلى 31 يوما. وفي عام 1582 اصدر الباباجرجوري قرارا تكميليا تطابق بفضله التاريخ الميلادي مع التقويم الشمسي حتى وقتنا الحالي.. وفي المقابل هناك التأريخ الهجري الذي يصعب ضبطه بسبب حتمية نقص "السنة القمرية" عن السنة الفعلية بأحد عشر يوماً (أصبحت تمثل حاليا الفرق بين السنة الميلادية والهجرية).. وبسبب تأخر السنة القمرية عن السنة الفعلية أصبحت المناسبات الإسلامية (كرمضان والحج) تأتي في مواعيد وفصول مناخية مختلفة !! ... المدهش أن هناك آية قرآنية ترصد (ذات الحدث) بكلا التقويمين القمري والشمسي.. ف(الأحد عشر يوماً) التي تشكل الفرق السنوي بين التقويمين تتراكم حتى تصبح (ثلاثة أعوام) كل مئة عام.. وهذا يعني أن كل 100 سنة شمسية تساوي 103 سنوات قمرية.. وخلال ثلاثة قرون يتراكم الفرق بحيث تساوي كل 300 سنة شمسية 309 سنوات قمرية!! .. والآن اقرأ معي ما جاء عن أصحاب الكهف في قوله تعالى (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا).. وهذا يعني أن أصحاب الكهف لبثوا في نومهم ثلاث مائة سنين بالتقويم الشمسي ولكنهم (ازدادوا تسعاً) لمن أراد حسابهن بالتقويم القمري!!... بقي أن أعود بسرعة إلى مسألة صرف الرواتب حسب التقويم الشمسي (ولا أقول الميلادي) وأشير إلى أنه أمر سائد في شركاتنا ومؤسساتنا وجميع دول العالم لأسباب اقتصادية تتعلق باستكمال مستحقات أحد عشر يوماً في السنة من جهة وانتظام تعاملاتها مع بنوك العالم ومؤسسات النقد الدولية من جهة أخرى.