تعتبر متطلبات السلوك الإنساني الحضاري في الحج متطلبات دينية، وذلك حتى لا نجعل من أي سلوك سلبي في أداء هذه الشعيرة وسيلة للمغرضين في استخدامها ضدنا وضد ديننا الإسلامي الحنيف، ومن شواهد ذلك توجيه أمير منطقة مكةالمكرمة ومستشار خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل -حفظه الله- خلال إطلاق حملة "الحج رسالة سلام" ضرورة التحلي بالسلوكيات الإيجابية في استقبال حجاج البيت الحرام، فالحج من العبادات المفروضة والتي تسهم في تقويم السلوك الإنساني. فمن مقاصد الحج التربوية، الانضباط في الوقت والأداء، تربية المسلم على التوازن والاعتدال في حياته اليومية، وتحقيق مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات، وتأصيل مبدأ التآخي في الإسلام، ونشر روح التعارف بين الحجاج والمعتمرين، والالتزام بالنظام والبعد عن الفوضى والأنانية، تهذيب السلوك، وغرس مبدأ التطوع في العبادات وتعميقه في النفوس، فهناك علاقة طردية بين الرصيد الوجداني للبلد الحرام وتأثيره في فاعلية سلوك المسلم ويَتَمَثَّل الرصيد الوِجداني في تكوين المَشَاعر والأحاسيس، واكْتِساب العادات الانفعاليَّة، وهو كل ما يتعلق بالقيم والأخلاق والعاطفة والسلوك وكذلك شرف الزمان والمكان وأثره في سلوك الحاج وهذا ينطلق من الخصائص القدرية لمكةالمكرمة وكيفية القيام بالواجب الشرعي تجاه حق الله في حرمه واستشعار عظمة المشاعر المقدسة واحترام المكان والفريضة والإنسان، واحترام الأنظمة، وتنمي في مضامينها إحساس الحاج والمعتمر بمسؤوليته، وتُشَجّعه على المبادرة لتغيير سلوكياته واستشعار دوره الإنساني المسلم إزاء أخوانه الحجاج وأداء الفريضة وحتى تتم الاستفادة التامة من برنامج الحج على أكمل وجه لابد من وجود أثر لظهور أثر الحج على السلوك والمتمثل في تهذيب السلوك. وحين يفسر النبي صلى الله عليه وسلم برّ الحج بأنه "لين الكلام وإطعام الطعام" فإننا نجد لذلك أثرا عظيما في سلوك كثير من حجاج بيت الله الحرام حين يحرصون على أن يكون حجهم مبرورا فيلينون بين أيدي إخوانهم، ويتحملون منهم من التصرفات والأفعال والأقوال في الحج ما قد لا يحتملونه في غير الحج حتى إنك ترى الرجل أثناء إحرامه يحرص على تجنب الجدل والمراء، بل لا يرد الإساءة بمثلها وهو نفسه الذي لو أوذيَ أو أُسيء إليه قبل تلبسه بالإحرام لثار وهاج وماج لكنه أثر العبادة على خُلُقه وسلوكه. فهل ستكون فترة ما بعد أداء فريضة الحج تجسيدا حقيقيا للثمار التي جناها ضيوف الرحمن من هذه الشعيرة العظيمة في سلوكياتهم؟.