القاضي والأديب ضياء الدين حمزة رجب، أحد الأعلام البارزين الذين خدموا دينهم ووطنهم، ورسالتهم الأدبية والفكرية، وأثروا المكتبة الأدبية العربية بوجه عام، تولى عدداً من المهام كالقضاء في مدينة العلا، وتم تعيينه في مجلس الشورى أوائل عهد الملك سعود بن عبد العزيز رحمه الله، وتفانى فيما أوكل إليه بإخلاص وأمانة، وحقيقة جدير ذكرها أن الشيخ رجب لم ينظر للجانب المادي، حيث كان يسعى رحمه الله لفض النزاعات عن طريق الإصلاح بين المتخاصمين، وجعل من اللجوء للقضاء خيارا أخيرا، بالرغم من أن ذلك يدر عليه مبالغ ربحية جيدة سيما وأنها من صميم عمله ومن أسباب رزقه إلا أنه اختار حل مشاكل الناس وقضاء حوائجهم والشفاعة لهم عند المسؤولين وميسوري الحال دون مقابل، ولذلك أحبه الناس وتوافدوا عليه، وحظي بسمعة طيبة بين كافة طبقات المجتمع، كما يعتبر الشيخ ضياء الدين رجب أحد رواد الأدب والمحاماة، والكتابة الشعرية والنثرية فكرا وإبداعا، فلمع نجمه في الأوساط الأدبية والفكرية لدى النخب والعامة من الناس من خلال كتاباته في العديد من الصحف المحلية والمجلات، وأصدر ديوانه الشهير(زحمة العمر) واتسمت قصائده بالفصاحة والشعر العربي الأصيل والقصيد الطويل وجزالة اللفظ، ممتطيا كافة أغراض الشعر من غزل ورثاء ومديح ومناجاة وقصائد وطنية وأخرى روحية، وكان شعره رحمه الله مؤثرا سريعاً في وجدان القارئ لمَ له من بلاغة وأسلوب متفرد في الوصف، ومحاسن البديع وتأنق في صياغة قصائده، إضافةً إلى إصداراته الأخرى كوقفة في ديار ثمود، ونصف قرن يتكلم ومذكرات قاضي، كما تربطه علاقات مميزة مع مختلف الأدباء والشعراء والمفكرين في الوطن العربي. اختار حل مشاكل الناس وقضاء حوائجهم والشفاعة لهم لذلك أحبه الناس وتوافدوا عليه نشأته وتعليمه ولد الأديب والقاضي ضياء الدين حمزة رجب، بالمدينةالمنورة عام 1335، وهو أحد رواد الأدب والقضاء والشعر النثري، وفي بداية حياته أدخل الكتّاب، وحفظ القرآن الكريم، والتحق بالمدرسة فدرس في علوم القواعد والفقه والتوحيد، وكان مجتهدا في الحساب والتاريخ والجغرافيا، كما تلقى العلم على علماء المسجد النبوي الشريف ومن أبرزهم، الشيخ أبو بكر التمبكتي، والشيخ عبد الكريم كردي، والشيخ الطيب الأنصاري، والشيخ العايش وهو من علماء الأزهر المجاورين بالمدينة. وهو رحمه الله كما وصفه معاصروه «مستدير الوجه واسع العينين، حنطي اللون معتدل القامة، خفيف اللحية حليق الشارب والعارضين، ويتخذ رحمه الله زي العلماء السلفيين فيرتدي العباءة والغترة، ولا يضع على رأسه عقالا وقد تمسك بهذا الزي طيلة حياته». حياته العملية اتسمت قصائده بالفصاحة والشعر العربي الأصيل والقصيد الطويل وجزالة اللفظ بعد أن أتم الشيخ رجب دراسته، اشتغل بالتدريس بمدارس المدينةالمنورة، ويذكر المؤرخ محمد مغربي أنه عمل في تحرير جريدة المدينة، أول ظهورها فكان ينشر إنتاجه الأدبي فيها، ثم انتقل عام 1357 إلى مدينة العلا (شمال المدينةالمنورة) حيث عيّن قاضيا هناك، ثم عاد إلى المدينة ليزاول مهنة المحاماة، ولكن العمل بالمحاماة في المدينة لم يكن يرتقي لتطلعاته، فانتقل إلى مكةالمكرمة في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، وعمل بها فترة من الزمن، ثم عيّن رئيسا لكتّاب مديرية الأوقاف العامة بمكةالمكرمة، ثم مستشارا قضائيا لأمانة العاصمة، ثم عضوا بمجلس الشورى في أوائل عهد الملك سعود -رحمه الله- ، واستمر في عمله بالمجلس إلى أن انتقل بأسرته إلى سوريا، ثم إلى مصر، وأحاله المجلس إلى التقاعد نظرا لتكرار انقطاعه عن جلساته لفترات طويلة، وبقي في مصر إلى أن حصل ابنه حمزة على البكالوريوس من جامعة القاهرة، ثم عاد بأسرته إلى جده، وافتتح مكتبا للمحاماة نجح فيه نجاحا باهرا، كما نال من السمعة الطيبة الكثير وأحبه الناس، واستطاع بما وهبه الله من سماحة النفس والهدوء أن يجمع الناس من حوله، وكانت داره مضيافا يزدحم بها القريب والبعيد، وكذلك يرحب بهم في مكتبه، ويستقبلهم بالود والابتسامة التي لا تفارق محياه، ولديه القدرة على الاستماع للناس، ومشاركتهم في حل مشاكلهم وقضاياهم، من خلال التوسط لدى المسؤولين في الإدارات المختلفة، أو لدى القادرين من الناس، وبالرغم من عمله بالمحاماة إلا أن الجانب الإنساني كان طاغيا في تعامله مع مختلف القضايا، دون النظر للجانب المادي مما زاد حب الناس له. الصلح أولا يشهد معاصرو ضياء الدين حمزة رحمه الله أنه دائما ما يلجأ إلى فض النزاع بين المتخاصمين عبر الإصلاح، ولم يكن يلجأ في الحالات التي يمكنه إصلاحها إلى القضاء، كقضايا النساء والخلافات الأسرية، وكذلك الحال بالنسبة للمستضعفين والفقراء من أصحاب الحقوق فيتخذ من الإصلاح وسيلة لحل المشكلات بين المتقاضين، ووجد بعد وفاته رحمه الله قضايا اجتماعية بالإمكان أن تدر عليه مرابح طائلة، إلا أنه وبدافع المروءة والإنسانية استطاع حل القضايا دون اللجوء للقضاء، ولم يفكر بجني الأرباح كونه محامي. وتعددت أوجه العمل الإنساني والمبادرات في حياة الشيخ ضياء الدين حمزة رجب، ويذكر منها أنه على علاقة خاصة ووطيدة بالشيخ محمد سرور الصبان رحمه الله، خلال فترة تولي الصبان وزارة المالية، وخلال إقامته في مصر بعد خروجه من الوزارة، حيث كان الشيخ رجب ينقل له حاجات الناس ومطالبهم، وخاصة المتعففين منهم الذين يتحرّجون في الطلب، وكان الشيخ يوصل طلبات الناس للصبان فيقوم الأخير بالاستجابة لمطالب هؤلاء وبدافع من ثقته بالشيخ رجب، ولعلمه بسعيه للخير. حجة الشيخ ومن الطرائف التي ذكرها الشيخ ضياء الدين رحمه الله ما يرويه أنه كان يعمل بالمحاماة، بعد أن صرف عن قضاء العلا، ويبدو أن بعض القضاة شكوه إلى الملك عبد العزيز رحمه الله، واقتضى الأمر أن يقابل جلالة الملك ويشرح له موقفه فقال له الملك: «إن المحاماة لا أصل لها في الشرع»، قال: «فقلت لجلالته إن لها أصلا في القرآن قوله تعالى: (ولا تكن للخائنين خصيما) « أي مدافعا عنهم والمحاماة هي الدفاع عمن لا يستطيع الإدلاء بحجته فقبل جلالته ذلك راضيا، ومما يذكر أن هذه الآية الكريمة كانت مكتوبة بخط جميل بلوحة خشبية كان الشيخ ضياء الدين رجب يضعها في مكتبه الذي يمارس فيه عمل المحاماة. الشعر والأدب كان ضياء الدين حمزة رحمه الله شاعرا كبيرا، ومن أبرز شعراء المملكة، وكان ينشر إنتاجه الأدبي في جريدة المدينة، وهو أحد كتابها المعروفين، وكذلك ينشر بين الفينة والأخرى في جريدة صوت الحجاز، والمنهل، وكتب للإذاعة السعودية فكانت له أحاديث يومية في الإذاعة، وكتب في صحيفة البلاد وكان له عمود يومي بعنوان « قطوف»، ويعلّق الأديب فاروق صالح باسلامة على هذه الزاوية الصحفية اليومية، ويقول «..أما ركنه الصحفي « قطوف « فقد طرح من خلاله المعلومات الأدبية والمعارف العلمية مع التعليق عليها بطرح سهل وحاشية صغيرة وهوامش سريعة، ليعطي القارئ نموذجاً من الآراء والأفكار يكون ذا عوز لها وحاجة، ولذلك يحتفظ كثير من القراء بهذا الركن الصحفي لضياء الدين رجب في قصاصات كي لا تضيع المعلومة أو الفكرة أو الرأي أو مناسبة ذلك عبر التاريخ الأدبي والعملي للموضوعات القصيرة التي تناولها هذا الكاتب في ركنه» . كما كانت المجلات المعاصرة آن ذاك تنشر له كمجلة «قافلة الزيت» و«المنهل»، فنشر رحمه الله الشعر والنثر والكتابة اليومية في الصحف، وكان يشد قراءه لما يكتبه ، حيث كان يتبع الأسلوب العربي الأصيل والعاطفة الدفاقة وانتهاج نمط فريد في الشعر، كما كان الشيخ ضياء الدين رحمه الله، على صلة واسعة بشعراء عصره وأدبائه، وحينما كان بالشام توثقت صلته بشعراء سوريا الكبار أمثال شفيق جبري وسليمان الأحمد ونصوح باببل صاحب جريدة الأيام الشهيرة وغيرهم، كما كانت له ارتباطات في أدباء وشعراء مصر، كالشاعر أحمد رامي والشاعر محمد مصطفى حمام والشاعر محمد جبر، وغيرهم، وكانت له صلة كبيرة بالأمير عبد الكريم الخطابي قائد ثورة المغرب الشهيرة ضد إسبانيا وفرنسا وحينما توفي رثاه بقصيدة عصماء نشرت في مجلة «قافلة الزيت». أما علاقاته بشعراء وأدباء عصره فأخذت طابع الصداقة والود وتبادل الاحترام، وكان حريصا على ذكر المحاسن دونما النظر إلى مساوئ الناس. زحمة العمر وقد جمع الأديب ضياء الدين حمزة رجب رحمه الله إنتاجه الشعري في مجموعات كبيرة مجلّدة ومنسوخة بالآلة الكاتبة، وكثير من هذه القصائد لم تنشر في حياته، وهي تمثل الجزء الأكبر من شعره وقد أطلق عليها اسم (زحمة العمر) وضمها في مجلد واحد حوى معظم نصوصه الشعرية، وقسمها الشاعر إلى مجموعات (الشعر الروحي - الشعر الوطني - الشعر الاجتماعي - الشعر العاطفي) ثم أطلق في مجلد صغير بما استجد لديه من شعر أسماه ( سبحات )، وقد اتفقت أسرته مع نادي جدة الأدبي على نشر هذه القصائد متفرقة، خدمة للأدب السعودي، كما عكف الأديب والمؤلف هاشم دفتردار المدني على إعداد ديوان الشاعر ضياء الدين حمزة رجب رحمه الله وأصدره للعيان. من ديوانه قال في قصيدة أسماها «عرفات» الأغاريد في السماء نداء والرحاب الخضراء والأضواء والحشود التي أطلت مع الفجر على الموقف العظيم دعاء والثراء العريض والجاه والملك حطام على الثرى مشاء أما في الشعر الوطني فقد حرص على التعبير عن ولائه لدينه وعروبته، ويقول في إحدى قصائده التي أسماها (وحدة القلوب): أرأيت كيف طوالع الآمال موصولة الإقبال بالإقبال ترنح البسمات فوق ثغورها سكرى وأنت حيالها وحيالي وقصيدة أخرى بعنوان يا مصر: يا مصر أنت هوى قد صيغ من ضرب الشمس تنهل منه والضحى برد والظل يسحب فوق الظل أجنحة كالروح يمرح في أنفاسها الحسد ومن قصيدته في بغداد نختار هذه الأبيات: نهر الحوادث مطلب ومراد فتجملي وتحملي بغداد هذي المآسي الداميات وشائج زحفت إليك بسرهن الضاد يتلمسونك في القلوب سريرة وكرى عن الجفن القريح يذاد وهوى يزمجر بالفحيح سعاره فتذوب من لمساتها الأكباد وله قصيدة في ربوع المدينة جاء في بعض أبياتها: بين سلع رقبا من مجالي يثرب قد مشينا الهيدبي سبسبا في سبسب بين أحضان العقيق من شروق لغروب كم روينا من رحيق بين كأس وحبيب أما قصيدة (خلود البطل) فقد أهداها إلى الأمير عبد الكريم الخطابي ومنها: تنهل في الدنيا سواكب فيضه وتهل بالرحمى سحائب رفده وخلائق المجد الأصيل شمائل تصل الحياة بحظه وسعده وتشع إشعاع الهدى في موطن غذاه من دمه الزكي بشهده وله في الرثاء حيث توفي ابنه حمزة ضياء الدين رجب في حادث سيارة وترك بعده زوجة وطفلتين هما حنين وأهداب، وقد كان لهذا الحادث صداه العجيب في نفس الشاعر، إلا أنه قابل الظرف بروح المؤمن، ولقد احتفى بحفيدتيه اللتين خلفهما ابنه فيقول: لا تسلني عن الحنين ففي الأهداب أضحى كما تراه وأسمى فهما الحب نشوة وهما الصفو والروح قلبا وفما وقال أيضا: هما عزائي في أعقاب داهية لم تبق غير انكساري بين أحنائي ويهيج الحنين بالشاعر لابنه فيرثيه يقوله: أين تلك الخطوات أين تلك الخطوات أين تلك البسمات والعيون الضاحكات يا حبيب القلب يا حمزة والخلد حياة أنت في العين وفي القلب دعاء وصلاة وتجدر الإشارة هنا أن الشاعر ضياء الدين حمزة رجب رحمه الله، كان متمسكا بالشعر العمودي المنظوم ولم يكن يستسيغ الشعر المنثور، وكان رحمه الله ينشر شعره باسم مستعار وهو (فتى سلع) وكان يتبع هذه الطريقة منذ بداية نشره للقصائد الشعرية في الخمسينيات إلى أن توفاه الله. مؤلفاته الأخرى وله مؤلف بعنوان (وقفة في ديار ثمود) ألفه حينما كان قاضيا بالعلا، وحول هذا المؤلّف يذكر الأديب فاروق صالح باسلامة أن الشيخ رجب قد زار مدائن صالح ووقف على آثارها المعروفة أثناء توليه القضاء في مدينة العلا المجاورة، فكتب مخطوطاً عن هذه الآثار التراثية القديمة أسماه «وقفة في ديار ثمود» طرح رؤيته للمدائن وديار صالح التي اختلف حولها المؤرخون، ورجال الآثار أهي في جنوب الجزيرة العربية أم هي واقعة في شمال غربي هذه الجزيرة، ويضيف باسلامة أن وقفة الأستاذ رجب في ديار ثمود لابد أن تكون وقفة علمية في الرؤية أثراً وتاريخاً، موقعاً وآثاراً، أوديةً ودياراً وأودية وجبالاً أيضاً، وتابع باسلامة: « ولا ريب أنه اطلع على تاريخ المدينة النبوية ذات الآثار من المساجد وجبل أحد والأودية والحرات وبقيع الغرقد، هذه الأماكن والآثار وقف عليها ضياء الدين رجب وعرفها موقعاً وأثراً وتاريخاً وشعراً وسيرة، وهو ما دفعه إلى البحث والكتابة في ديار ثمود أو مدائن صالح عليه السلام، وللأديب رجب رحمه « مذكرات قاضي» يجكي فيها عن تجربته الخاصة وتفاصيل مسيرة حياته العملية والعلمية ويرصد فيها الشكاوي والحوادث والجنايات، وله أيضا «نصف قرن يتكلم» نشر من خلاله أفكاره وانطباعه حول النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري، ونصف القرن العشرين الأول، والأحداث الثقافية والتاريخية (تتمة الأعلام للزركلي )، وللأديب رحمه الله إصدارات وأعمدة صحفية ومقالات في العديد من الصحف والمجلات المحلية. وفاته أدركته الوفاة رحمه الله في الرياض في 14 من صفر 1396 وكان بدار ابنته «لميس» وكان لوفاته صدى واسع ورنة حزن عظيمة في جميع الأوساط، وقد نقل بطائرة تابعة لوزارة الدفاع إلى جدة حيث جهز ونقل إلى مكةالمكرمة وصلي على جثمانه في المسجد الحرام ودفن بمقبرة المعلاة. ضياء الدين حمزة رجب أعد الأديب هاشم دفتردار ديوان الشاعر ضياء الدين رجب وأصدره للعيان جمعته بأدباء وشعراء عصره علاقة مميزة ومن بينهم الشاعر المصري أحمد رامي إعداد - منصور العساف لضياء الدين رجب صلة كبيرة بالأمير عبد الكريم الخطابي قائد ثورة المغرب ضد إسبانيا وفرنسا وحينما توفي رثاه بقصيدة عصماء حينما كان بالشام توثقت صلته بشعراء سورية الكبار ومن بينهم نصوح بابيل فاروق باسلامة في «زحمة العمر» جمع الأديب ضياء الدين رجب إنتاجه الشعري من القصائد التي لم تنشر في حياته مجلة المنهل اهتمت بنشر قصائد ضياء الدين رجب كان ينشر إنتاجه الأدبي من الشعر والنثر في مجلة قافلة الزيت عاد إلى المدينة ليزاول مهنة المحاماة، قبل أن ينتقل إلى مكةالمكرمة في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي عين ضياء الدين رجب قاضياً بمدينة العلا عام 1357 ألف كتابه «وقفة في ديار ثمود» حينما كان يعمل قاضياً بالعلا